الحلال ، إلى الحرام. فالحلال : الإمساك بالمعروف ، والحرام : المضارة. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ، ولو كان الحق يعود للمخلوق فالضرر عائد إلى من أراد الضرار. (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) لما بين تعالى حدوده غاية التبيين ، وكان المقصود العلم بها والعمل ، والوقوف معها ، وعدم مجاوزتها ، لأنه تعالى لم ينزلها عبثا ، بل أنزلها بالحق والصدق والجد ، نهى عن اتخاذها هزوا ، أي : لعبا بها ، وهي التجرؤ عليها ، وعدم الامتثال لواجبها ، مثل استعمال المضارة في الإمساك ، أو الفراق ، أو كثرة الطلاق ، أو جمع الثلاث ، والله ـ من رحمته ـ جعل له واحدة بعد واحدة ، رفقا به وسعيا في مصلحته. (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) عموما باللسان ، حمدا وثناء ، وبالقلب اعترافا وإقرارا ، وبالأركان بصرفها في طاعة الله. (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ) ، أي : السنة ، اللذين بين لكم بهما طرق الخير ورغبكم فيها ، وطرق الشر وحذّركم إياها ، وعرّفكم نفسه ووقائعه في أوليائه وأعدائه ، وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. وقيل : المراد بالحكمة أسرار الشريعة ، فالكتاب فيه الحكم. والحكمة فيها بيان حكمة الله في أوامره ونواهيه ، وكلام المعنيين صحيح ، ولهذا قال : (يَعِظُكُمْ بِهِ) ، أي : بما أنزل عليكم ، وهذا مما يقوي أن المراد بالحكمة ، أسرار الشريعة ، لأن الموعظة ببيان الحكم والحكمة ، والترغيب أو الترهيب ، فبالحكم به ، يزول الجهل. والحكمة مع الترغيب ، يوجب الرغبة. والحكمة مع الترهيب ، يوجب الرهبة (وَاتَّقُوا اللهَ) في جميع أموركم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، فلهذا بين لكم هذه الأحكام ، التي هي جارية مع المصالح في كل زمان ومكان ، فله الحمد والمنة.
[٢٣٢] هذا خطاب لأولياء المرأة المطلقة دون الثلاث إذا خرجت من العدة ، وأراد زوجها أن ينكحها ، ورضيت بذلك ، فلا يجوز لوليها ، من أب وغيره ، أن يعضلها ، أي : يمنعها من التزوج به حنقا عليه ، وغضبا ، واشمئزازا لما فعل من الطلاق الأول. وذكر أن (مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإيمانه يمنعه من العضل. (ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) ، وأطيب مما يظن الولي أن عدم تزويجه ، هو الرأي واللائق ، وأنه يقابل بطلاقه الأول بعدم تزويجه ، كما هو عادة المترفعين المتكبرين. فإن كان يظن أن المصلحة في عدم تزويجه ، فإن (اللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، فامتثلوا أمر من هو عالم بمصالحكم ، مريد لها ، قادر عليها ، ميسر لها من الوجه الذي تعرفون وغيره. وفي هذه الآية ، دليل على أنه لا بد من الولي في النكاح ، لأنه نهى الأولياء عن العضل ، ولا ينهاهم إلا عن أمر ، هو تحت تدبيرهم ، ولهم فيه حق.
[٢٣٣] ثم قال تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ) ، الآية. هذا خبر بمعنى الأمر ، تنزيلا له منزلة المتقرر ، الذي لا يحتاج إلى أمر بأن (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ). ولما كان الحول يطلق على الكامل ، وعلى معظم الحول ، قال : (كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) ، فإذا تم للرضيع حولان ، فقد تم رضاعه ، وصار اللبن بعد ذلك ، بمنزلة سائر الأغذية ، فلهذا كان الرضاع بعد الحولين ، غير معتبر فلا يحرم. ويؤخذ من هذا النص ، ومن قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً). أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، وأنه يمكن وجود الولد بها. (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ) ، أي : الأب (رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ،