غشيان الغاشية ، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا.
[٤ ـ ٥] وقوله : (تَصْلى ناراً حامِيَةً) (٤) ، أي : شديدا حرها ، تحيط بهم من كل مكان (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) (٥) ، أي : شديدة الحرارة (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) فهذا شرابهم.
[٦ ـ ٧] وأما طعامهم ، فإنهم (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) (٧) وذلك لأن المقصود من الطعام ، أحد أمرين : إما أن يسد جوع صاحبه ويزيل عنه ألمه ، وإما أن يسمن بدنه من الهزال. وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الأمرين ، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة ، نسأل الله العافية.
[٨] وأما أهل الخير ، فوجوههم يوم القيامة (ناعِمَةٌ) ، أي : قد جرت عليهم نضرة النعيم ، فنضرت أبدانهم ، واستنارت وجوههم ، وسروا غاية السرور.
[٩] (لِسَعْيِها) الذي قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة ، والإحسان إلى عباد الله. (راضِيَةٌ) إذا وجدت ثوابه ، مدخرا مضاعفا ، فحمدت عقباه ، وحصل لها كل ما تتمناه.
[١٠] وذلك أنها (فِي جَنَّةٍ) جامعة لأنواع النعيم كلها ، (عالِيَةٍ) في محلها ومنازلها ، فمحلها في أعلى عليين ، ومنازلها مساكن عالية ، لها غرف ، ومن فوق الغرف غرف مبنية يشرفون منها على ما أعد الله لهم من الكرامة. (قُطُوفُها دانِيَةٌ) (٢٣) ، أي : كثيرة الفواكه اللذيذة ، المثمرة بالثمار الحسنة ، السهلة التناول ، بحيث ينالونها على أي حال كانوا ، لا يحتاجون أن يصعدوا شجرة ، أو يستعصي عليهم منها ثمرة.
[١١] (لا تَسْمَعُ فِيها) ، أي : في الجنة (لاغِيَةً) ، أي : كلمة لغو وباطل فضلا عن الكلام المحرم ، بل كلامهم ، كلام حسن نافع ، مشتمل على ذكر الله ، وذكر نعمه المتواترة عليهم ، وعلى الآداب الحسنة بين المتعاشرين ، الذي يسر القلوب ، ويشرح الصدور.
[١٢] (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) (١٢) ، وهذا اسم جنس ، أي : فيها العيون الجارية التي يفجرونها ويصرفونها كيف شاءوا ، وأنّى أرادوا.
[١٣] (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) (١٣) ، و «السرر» جمع «سرير» ، وهي : المجالس المرتفعة في ذاتها ، وبما عليها من الفرش اللينة الوطيئة.
[١٤] (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) (١٤) ، أي : أوان ممتلئة من أنواع الأشربة اللذيذة قد وضعت بين أيديهم ، وأعدت لهم ، وصارت تحت طلبهم واختيارهم ، يطوف بها عليهم ، الولدان المخلدون.
[١٥] (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) (١٥) ، أي : وسائد من الحرير والإستبرق وغيرهما ، مما لا يعلمه إلا الله. قد صفت للجلوس والاتكاء عليها ، وقد أريحوا ، عن أن يصنعوها ، أو يصفّوها بأنفسهم.
[١٦] (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (١٦) والزرابي هي : البسط الحسان ، مبثوثة ، أي : مملوءة بها مجالسهم من كل جانب.
[١٧] يقول تعالى حثّا للذين لا يصدقون الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولغيرهم من الناس ، أن يتفكروا في مخلوقات الله الدالة على توحيده : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧) ، أي : ألا ينظرون إلى خلقها البديع ، وكيف سخرها الله للعباد ، وذللها لمنافعهم الكثيرة ، التي يضطرون إليها.
[١٩] (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) (١٩) بهيئة باهرة ، حصل بها الاستقرار للأرض ، وثباتها من الاضطراب ، وأودع فيها من المنافع الجليلة ما أودع.
[٢٠] (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (٢٠) ، أي : مدت مدا واسعا ، وسهلت غاية التسهيل ، ليستقر العباد على ظهرها ، ويتمكنوا من حرثها