دعوتك لقومك ، صبرا جميلا ، لا تضجر فيه ولا ملل ، بل استمر على أمر الله ، وادع عباده إلى توحيده ، ولا يمنعك عنهم ما ترى من عدم انقيادهم ، وعدم رغبتهم ، فإن في الصبر على ذلك خيرا كثيرا.
[٦ ـ ٧] (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً) (٧) الضمير يعود إلى البعث ، الذي فيه عذاب السائلين بالعذاب ، أي : إن حالهم ، حال المنكر له ، والذي غلبت عليه الشقوة والسكرة ، حتى تباعد جميع ما أمامه ، من البعث والنشور. والله يراه قريبا ، لأنه رفيق حليم لا يعجل ، ويعلم أنه لا بد أن يكون ، وما هو آت ، فهو قريب.
[٨] ثمّ ذكر أهوال ذلك اليوم وما فيه ، فقال : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ) إلى : (فَأَوْعى). أي : (يَوْمَ) القيامة ، الذي تقع فيه هذه الأمور العظيمة (تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) وهو الرصاص المذاب ، من تشققها ، وبلوغ الهول منها كلّ مبلغ.
[٩] (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) (٩) وهو الصوف المنفوش ، ثمّ تكون بعد ذلك هباء منثورا ، فتضمحل. فإذا كان هذا الانزعاج والقلق لهذه الأجرام الكبيرة الشديدة ، فما ظنك بالعبد الضعيف ، الذي قد أثقل ظهره بالذنوب والأوزار؟ أليس حقيقا أن ينخلع قلبه ولبه ، ويذهل عن كلّ أحد؟ ولهذا قال :
[١٠] (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ) ، أي : يشاهد الحميم ، وهو : القريب حميمه ، فلا يبقى في قلبه متسع لسؤاله عن حاله ، ولا فيما يتعلق بعشرتهم ومحبتهم ، ولا يهمه إلّا نفسه. (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ) الذي حق عليه العذاب (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ).
[١٢] (وَصاحِبَتِهِ) ، أي : زوجته (وَأَخِيهِ).
[١٣] (وَفَصِيلَتِهِ) أي : قرابته (الَّتِي تُؤْوِيهِ) ، أي : الّتي جرت عادتها في الدنيا أن تتناصر ، ويعين بعضها بعضا. ففي القيامة لا ينفع أحد أحدا ، ولا يشفع أحد إلّا بإذن الله.
[١٤] بل لو يفتدي المجرم المستحق للعذاب بكل من يعرفه (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) (١٤) ذلك ، لم ينفعه.
[١٥] (كَلَّا) ، أي : لا حيلة ولا مناصر لهم ، قد حقت عليهم كلمة ربك ، وذهب نفع الأقارب والأصدقاء. (إِنَّها لَظى).
[١٦] (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) (١٦) ، أي : النار الّتي تتلظى ، تنزع من شدتها للأعضاء الظاهرة والباطنة.
[١٧] (تَدْعُوا) إلى نفسها (مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى).
[١٨] (وَجَمَعَ فَأَوْعى) (١٨) ، أي : أدبر عن اتباع الحقّ ، وأعرض عنه ، فلا غرض له فيه ، وجمع الأموال بعضها فوق بعض ، وأوعاها فلم ينفق منها ما ينفعه ، ويدفع عنه النار ، فالنار تدعو هؤلاء إلى نفسها ، وتستعد للالتهاب بهم.
[١٩] وهذا الوصف للإنسان من حيث هو ، وصف طبيعته ، أنه هلوع.
[٢٠] وفسر الهلوع بقوله : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) (٢٠) فيجزع إن أصابه فقر أو مرض ، أو ذهاب محبوب له ، من مال أو أهل أو أولد ، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله.
[٢١] (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (٢١) ، فلا ينفق مما آتاه الله ، ولا يشكر الله على نعمه وبره ، فيجزع في الضراء ، ويمنع في السراء.
[٢٢] (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (٢٢) الموصوفين بتلك الأوصاف ، فإنهم إذا مسهم الخير ، شكروا الله وأنفقوا مما خولهم ، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا.
[٢٣] وقوله في وصفهم : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) (٢٣) ، أي : مداومون عليها في أوقاتها بشروطها ومكملاتها. وليسوا كمن لا يفعلها ، أو