رسول الله علما ومعرفة وعملا. والأدلة العقلية : المعرفة للهدى من الضلال ، والحسن من القبيح ، والخير من الشر. وهم ـ في الإيمان ـ بحسب ما منّ الله عليهم به ، من الاقتداء بالمعقول والمنقول ، فسبحان من يختص بفضله من يشاء ، ويمن على من يشاء من عباده ، ويخذل من لا يصلح للخير. قال تعالى عن هؤلاء الداخلين للنار ، المعترفين بظلمهم وعنادهم :
[١١] (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) (١١) ، أي : بعدا لهم وخسارة وشقاء. فما أشقاهم وأرداهم ، حيث فاتهم ثواب الله ، وكانوا ملازمين للسعير ، الّتي تستعر في أبدانهم ، وتطلع على أفئدتهم!!
[١٢] لما ذكر حالة الأشقياء الفجار ، ذكر وصف الأبرار السعداء ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) ، أي : في جميع أحوالهم ، حتى في الحالة الّتي لا يطلع عليهم فيها إلا الله ، فلا يقدمون على معاصيه ، ولا يقصرون عما أمرهم به. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم ، وإذا غفر الله ذنوبهم ، وقاهم شرها ، ووقاهم عذاب الجحيم. (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) هو ما أعده لهم في الجنة ، من النعيم المقيم ، والملك الكبير ، واللذات المتواصلات ، والقصور والمنازل العاليات ، والحور الحسان ، والخدم ، والولدان. وأعظم من ذلك وأكبر رضا الرحمن الذي يحله على ساكني الجنان.
[١٣] هذا إخبار من الله بسعة علمه ، وشمول لطفه ، فقال : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) ، أي : كلاهما سواء لديه ، لا يخفى عليه منهما خافية. (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، أي : بما فيها من النيات ، والإرادات ، فكيف بالأقوال والأفعال ، الّتي تسمع وترى؟
[١٤] ثمّ قال ـ مستدلا بدليل عقلي على علمه ـ : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) ، فمن خلق الخلق وأتقنه ، وأحسنه ، كيف لا يعلمه؟ (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الذي لطف علمه وخبره ، حتى أدرك السرائر والضمائر ، والخبايا والخفايا ، والغيوب (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى). ومن معاني اللطيف ، أنه الذي يلطف بعبده ووليه ، فيسوق إليه البر والإحسان ، من حيث لا يشعر ، ويعصمه من الشر ، من حيث لا يحتسب ، ويرقيه إلى أعلى المراتب ، بأسباب لا تكون من العبد على بال ، حتى إنه يذيقه المكاره ، ليوصله بها ، إلى المحاب الجليلة ، والمطالب النبيلة.
[١٥] أي : هو الذي سخر لكم الأرض ، وذللها ، لتدركوا منها كلّ ما تعلقت به حاجتكم ، من غرس وبناء ، وحرث ، وطرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية ، والبلدان الشاسعة. (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) ، أي : لطلب الرزق والمكاسب. (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ، أي : بعد أن تنتقلوا من هذه الدار الّتي جعلها الله امتحانا ، وبلغة يتبلغ بها إلى الدار الآخرة ، تبعثون بعد موتكم ، وتحشرون إلى الله ، ليجازيكم بأعمالكم الحسنة والسيئة.
[١٦] هذا تهديد ووعيد ، لمن استمر في طغيانه وتعدّيه ، وعصيانه الموجب للنكال ، وحلول العقوبة ، فقال : (أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) وهو الله تعالى ، العالي على خلقه. (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) بكم وتضطرب ، حتى تهلكوا وتتلفوا.
[١٧] (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) ، أي : عذابا من السماء ، يحصبكم ، وينتقم الله منكم (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) ، أي : كيف يأتيكم ما أنذرتكم به الرسل والكتب. فلا تحسبوا أن أمنكم من أن يعاقبكم