والألف واللام في «الحمد» قيل : للاستغراق ، وقيل : لتعريف الجنس واختاره الزمخشري قال الشاعر :
٣٥ ـ ............... |
|
إلى الماجد القرم الجواد المحمّد (١) |
وقيل : للعهد. ومنع الزمخشري كونها للاستغراق ، ولم يبين وجه ذلك ، ويشبه أن يقال : إن المطلوب من العبد إنشاء الحمد لا الإخبار به ، وحينئذ يستحيل كونها للاستغراق إذ لا يمكن العبد أن ينشئ جميع المحامد منه ومن غيره بخلاف كونها للجنس.
والأصل فيه المصدرية ، فلذلك لا يثنى ، ولا يجمع ، وحكى ابن الأعرابي (٢) جمعه على أفعل وأنشد :
٣٦ ـ وأبلج محمود الثّناء خصصته |
|
بأفضل أقوالي وأفضل أحمدي (٣) |
وقرأ الجمهور : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) برفع الدال ، وكسر لام الجر ، ورفعه على الابتداء ، والخبر الجار والمجرور بعده فيتعلق بمحذوف هو الخبر في الحقيقة.
ثم ذلك المحذوف إن شئت قدرته اسما ، وهو المختار ، وإن شئت قدرته فعلا أي : الحمد مستقر لله ، أو استقر لله.
والدليل على اختيار القول الأول أن ذلك يتعين في بعض الصور فلا أدل من ترجيحه في غيرها ، وذلك أنك إذ قلت : «خرجت فإذا في الدار زيد» ، و «أما في الدار فزيد». يتعين في هاتين الصورتين تقدير الاسم ، لأن إذا الفجائية وأما التفصيلية لا يليهما إلا المبتدأ ، وقد عورض هذا اللفظ بأنه يتعين تقدير الفعل في بعض الصور ، وهو ما إذا وقع الجار والمجرور صلة لموصول نحو : الذي في الدار فليكن راجحا في غيره.
والجواب أن ما رجحنا به هو من باب المبتدأ ، والخبر وليس أجنبيا فكان اعتباره أولى بخلاف وقوعه صلة ، والأول غير أجنبي.
ولا بد من ذكر قاعدة ههنا لعموم فائدتها ، وهي أن الجار والمجرور والظرف إذا وقعا صلة ، أو صفة أو حالا ، أو خبرا تعلقا بمحذوف ، وذلك المحذوف لا يجوز ظهوره إذا كان كونا مطلقا فأما قول الشاعر :
٣٧ ـ لك العزّ إن مولاك عزّ ، وإن يهن |
|
فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (٤) |
فشاذ لا يلتفت إليه ، وأما قوله تعالى : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) فلم يقصد جعل الظرف ثابتا ، فلذلك ذكر المتعلق به. ثم ذلك المحذوف يجوز تقديره باسم أو فعل إلا في الصلة ، فإنه يتعين أن يكون فعلا ، وإلا في الصورتين المذكورتين فإنه يتعين أن يكون اسما.
واختلفوا : أي التقديرين أولى فيما عدا الصور المستثناة؟ فقوم رجحوا تقدير الاسم ، وقوم رجحوا تقدير
__________________
(١) عجز بيت للأعشى وصدره :
إليك ـ أبيت اللّعن ـ كان كلالها |
|
............... |
انظر ديوانه (٥٩) ، اللسان (حمد). وانظر تفسير القرطبي (١ / ٩٣).
(٢) محمد بن زياد أبو عبد الله بن الأعرابيّ من موالي بني هاشم صاحب النوادر ، والأنوار ، وصفة المجل ومعاني الشعر وغير ذلك ، توفي لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة خمسين ومائة. البغية (١ / ١٠٥ ـ ١٠٦).
(٣) لم أهتد لقائله. انظر تفسير القرطبي (١ / ٩٣).
(٤) لم أهتد لقائله. انظر همع الهوامع (١ / ٩٨) ، الدرر (١ / ٧٥) ، شرح ابن عقيل (١ / ١٨٣).