أحدهما : أنّها
في محل نصب على الحال.
والثاني : ـ وهو
الأولى ـ أن تكون مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب ، كأنها جواب سائل قال : هل لهم
أجر؟ وعطف ب «ثم» جريا على الأغلب ، لأنّ المتصدّق لغير وجه الله لا يحصل منه
المنّ عقيب صدقته ولا يؤذي على الفور ، فجرى هذا على الغالب ، وإن كان حكم المنّ
والأذى الواقعين عقيب الصدقة كذلك.
وقال الزمخشري
: «ومعنى» ثمّ» إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى ، وأنّ تركهما خير من
نفس الإنفاق ، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيرا من الدخول فيه بقوله : (ثُمَّ اسْتَقامُوا) ، فجعلها للتراخي في الرتبة لا في الزمان ، وقد تكرّر
له ذلك غير مرة.
و (ما) من قوله : (ما أَنْفَقُوا) يجوز أن تكون موصولة اسمية فالعائد محذوف ، أي : ما
أنفقوه ، وأن تكون مصدرية فلا تحتاج إلى عائد ، أي : لا يتبعون إنفاقهم. ولا بدّ
من حذف بعد «منّا» أي : منّا على المنفق عليه ولا أذى له ، فحذف للدلالة.
والمنّ :
الاعتداد بالإحسان ، وهو في الأصل : القطع ، ولذلك يطلق على النعمة ، لأنّ المنعم
يقطع من ماله قطعة للمنعم عليه. والمنّ : النقص من الحق ، والمنّ : الذي يوزن به ،
ويقال في هذا «منا» مثل : عصا. وتقدّم اشتقاق الأذى.
و «منّا» مفعول
ثان ، و «لا أذى» عطف عليه ، وأبعد من جعل «ولا أذى» مستأنفا ، فجعله من صفات
المتصدّق ، كأنه قال : الذين ينفقون ولا يتأذّون بالإنفاق ، فيكون «أذى» اسم لا
وخبرها محذوف ، أي : ولا أذى حاصل لهم ، فهي جملة منفية في معنى النهي ، وهذا
تكلّف ، وحقّ هذا القائل أن يقرأ «ولا أذى» بالألف غير منوّن ، لأنه مبنيّ على
الفتح على مشهور مذهب النحاة.
قوله تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ)
: فيه ثلاثة
أوجه :
أحدها : أنه
مبتدأ وساغ الابتداء بالنكرة لوصفها وللعطف عليها. و «مغفرة» عطف عليه ، وسوّغ
الابتداء بها العطف أو الصفة المقدّرة ، إذ التقدير : ومغفرة من السائل أو من
الله. و «خير» خبر عنهما. وقال أبو البقاء في هذا الوجه : «والتقدير : وسبب مغفرة
، لأنّ المغفرة من الله تعالى ، فلا تفاضل بينها وبين فعل العبد ، ويجوز أن تكون
المغفرة مجاوزة المزكّي واحتماله للفقير ، فلا يكون فيه حذف مضاف».
والثاني : أنّ «قول
معروف» مبتدأ وخبره محذوف أي : أمثل أو أولى بكم ، و «مغفرة» مبتدأ ، و «خير»
خبرها ، فهما جملتان ، ذكره المهدويّ وغيره. قال ابن عطية : «وهذا ذهاب برونق
المعنى».
والثالث : أنه
خبر مبتدإ محذوف تقديره : المأمور به قول معروف.
وقوله : (يَتْبَعُها أَذىً) في محلّ جرّ صفة لصدقة ، ولم يعد ذكر المنّ فيقول :
يتبعها منّ وأذى ، لأنّ الأذى يشمل المنّ وغيره ، وإنّما ذكر بالتنصيص في قوله : «لا
يتبعون ما أنفقوا منّا ولا أذى» لكثرة وقوعه من المتصدّقين
__________________