أي : إلى الأعلام.
والجنّة : البستان ، وقيل : الأرض ذات الشجر ، سمّيت بذلك لسترها من فيها ، ومنه : الجنين لاستتاره ، والمجنّ : الترس ، وكذلك «الجنّة» لأنه يستر صاحبه ، والجنّة لاستتارهم عن أعين الناس.
قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) هذه الجملة في محلّ نصب لأنها صفة لجنّات ، و «تجري» مرفوع لتجرّده من الناصب والجازم ، وعلامة رفعه ضمة مقدرة في الياء استثقالا ، وكذلك تقدّر في كلّ فعل معتل نحو : يدعو ويخشى إلّا أنّها في الألف تقدّر تعذّرا.
والأنهار جمع نهر بالفتح ، وهي اللغة العالية ، وفيه تسكين الهاء ، ولكن «أفعال» لا ينقاس في فعل الساكن العين بل يحفظ نحو : أفراخ وأزناد وأفراد.
والنهر دون البحر وفوق الجدول ، وهل هو مجرى الماء أو الماء الجاري نفسه؟ والأول أظهر ، لأنه مشتقّ من نهرت أي : وسّعت ، قال قيس بن الخطيم يصف طعنة :
٢٩٦ ـ ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها (١) |
|
............... |
أي وسّعت ، ومنه : النهار لاتساع ضوئه ، وإنّما أطلق على الماء مجازا إطلاقا للمحلّ على الحالّ.
و (مِنْ تَحْتِهَا) متعلق بتجري ، و «تحت» مكان لا يتصرّف ، وهو نقيض «فوق» ، إذا أضيفا أعربا ، وإذا قطعا بنيا على الضم. و «من» لابتداء الغاية وقيل : زائدة ، وقيل : بمعنى في ، وهما ضعيفان.
واعلم أنه إذا قيل بأنّ الجنّة هي الأرض ذات الشجر فلا بدّ من حذف مضاف ، أي : من تحت عذقها أو أشجارها. وإن قيل بأنها الشجر نفسه فلا حاجة إلى ذلك. وإذا قيل بأنّ الأنهار اسم للماء الجاري فنسبة الجري إليه حقيقة. وإن قيل بأنه اسم للأخدود الذي يجري فيه فنسبة الجري إليه مجاز كقول مهلهل :
٢٩٧ ـ نبّئت أنّ النار بعدك أوقدت |
|
واستبّ بعدك يا كليب المجلس (٢) |
قال الشيخ (٣) : «وقد ناقض ابن عطية كلامه هنا فإنه قال : «والأنهار : المياه في مجاريها المتطاولة الواسعة» ثم قال : «نسب الجري إلى النهر ، وإنما يجري الماء وحده توسّعا وتجوّزا ، كما قال تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٤) ، وكما قال : نبّئت أنّ النار. البيت».
والألف واللام في «الأنهار» للجنس ، وقيل : للعهد لذكرها في سورة القتال. وقال الزمخشري : «يجوز أن تكون عوضا من الضمير كقوله : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٥) أي : أنهارها» ، بمعنى أنّ الأصل : واشتعل رأسي ، فعوّض «أل» عن ياء المتكلم ، وهذا ليس مذهب البصريين ، بل قال به بعض الكوفيين ، وهو مردود بأنه لو كانت
__________________
ـ وكريمة من آل قيس ألفته |
|
............... |
انظر الهمع (٢ / ٣٦) ، شرح ابن عقيل (٢ / ٤٠) ، الدرر (٢ / ٣٧) ، الأشموني (٢ / ٢٣٤) ، اللسان (ألف).
الشاهد قوله : (فارتقى الأعلام) حيث حذف حرف الجر وبقي عمله وهذا شاذ لا يقاس عليه.
(١) تقدم وهو في ديوان قيس.
(٢) البيت في أمالي القالي (١ / ٩٥) ، مجالس ثعلب (١ / ٣٧) ، القرطبي (١ / ٢٣٩).
(٣) انظر البحر المحيط (١ / ١١٣).
(٤) سورة يوسف ، آية (٨٢).
(٥) سورة مريم ، آية (٤).