ومنه المشاق التي تكون على جهة العقوبة على الجرم ، وإن أدّت إلى تلف النّفس كالقصاص والحدود ، بالنّسبة إلى المحلّ والفاعل ، وإن كان قريباً يعظم عليه استيفاء ذلك من قريبه ...
والضّابط في المشقّة ما قدره الشّرع وقد أباح في الشّرع حلق المحرم للقمّل ، كما في قصّة كعب بن عجرة (١) ، وقد أقرّ النّبي (٢) عمراً على التّيمم لخوف البرد فلتقاربهما المشاق في باقي محظورات الاحرام ، وباقي مسوّغات التّيمّم ، وليس ذلك مضبوطاً بالعجز الكلّي [بل] بما فيه تضيق على النّفس ؛ ومن ثمّ قصرت الصّلاة وابيح الفطر في السّفر ، ولا كثير مشقّة فيه ولا عجز غالباً ؛ فحينئذٍ يجوز الجلوس في الصّلاة مع مشقّة القيام ، وإن أمكن تحمّله على عسر شديد ، وكذا باقي مراتبه.
الثانية : ويقع التّخفيف في العقود ، كما يقع في العبادات ، ومراتب الغرر فيها ثلاث : إحداها : ما يسهل اجتنابه كبيع الملاقيح ... وهذا لا تخفيف فيه.
وثانيها : ما يعسر اجتنابه وإن أمكن تحمّله بمشقّة ، كبيع البيض في قشره وبيع الجدار ، وفيه الاسّ ، وهذا يعفي عنه تخفيفاً.
وثالثها : ما يتوسّط بينهما ، كبيع الجوز واللّوز في القشر الأعلى والأعيان الغائبة بالوصف ...
ومنه الاكتفاء بظاهر الصّبرة المتماثلة ...
ومن التّخفيف شرعيّة خيار المجلس.
ومنه شرعيّة المزارعة والمساقاة والقراض ، وإن كانت معاملة على معدوم.
ومنه اجارة الأعيان فإنّ المنافع معدومة حال العقد.
ومنه جواز تزويج المرأة من غير نظر ووصف ، دفعاً للمشقّة اللّاحقة.
ومنه شرعيّة الطّلاق والخلع ، دفعاً لمشقة المقام على الشّقاق وسوء الاخلاق ،
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٦٠ ٨٦١ / ٨٢ باب ١٠ من كتاب الحج.
(٢) السنن الكبرى للبيهقي ١ : ٢٢٥ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ١٧٧.