كان كذا فله أن يدعو إلى الله عزوجل وإلى طاعته ، وأن يجاهد في سبيله؟ فقال : «ذلك لقوم لا يحلّ إلا لهم ، ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم».
قلت : من أولئك؟ قال : «من قام بشرائط الله عزوجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل ، ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزوجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد ، ولا الدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد».
قلت : فبين لي ، يرحمك الله. قال : «إنّ الله عزوجل أخبر نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في كتابه بالدعاء إليه ، ووصف الدعاة إليه ، فجعل ذلك لهم درجات ، يعرّف بعضها بعضا ، ويستدل ببعضها على بعض ، فأخبر أنّه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتّباع أمره ، فبدأ بنفسه ، فقال : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١) ثمّ ثنى برسوله ، فقال : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢) يعني بالقرآن ، ولم يكن داعيا إلى الله عزوجل من خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر به في كتابه ، والذي أمر ألّا يدعى إلّا به. وقال في نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣) يقول : تدعو. ثمّ ثلّث بالدعاء إليه بكتابه أيضا ، فقال تبارك وتعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أي يدعو (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٤).
ثمّ ذكر من أذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه ، فقال : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ
__________________
(١) يونس : ٢٥.
(٢) النحل : ١٢٥.
(٣) الشورى : ٥٢.
(٤) الإسراء : ٩.