والناس نيام ، حتى
ظهرت آثاره الباهرة عاجلة فيهم. فرفع نفوسهم وانتشلها من حضيض الوثنية ، وأعلى
هممهم وهذّب أخلاقهم ، وأرشدهم إلى الانتفاع بقوى الكون ومنافعه. وكان من وراء ذلك
أن سهروا في العلوم والفنون والصناعات كما مهروا في الأخلاق والآداب والإصلاح
والإرشاد ووصلوا إلى غاية بزّوا فيها كل أمم الدنيا. حتى قال بعض فلاسفة الغرب في
كتابه (تطوّر الأمم) ما نصه : «إن ملكة الفنون لا تستحكم في أمة من الأمم إلا في
ثلاثة أجيال : جيل التقليد ، وجيل الخضرمة ، وجيل الاستقلال. وشذّ العرب وحدهم
فاستحكمت فيهم ملكة الفنون فى جيل واحد» ا ه.
قال السيوطى في بيان الحاجة إلى التفسير
ما ملخصه : «القرآن إنما نزل بلسان عربى فى زمن أفصح العرب ، فكانوا يعلمون ظواهره
وأحكامه.
أما دقائق باطنه فلا تظهر لهم إلا بعد
البحث والنظر وسؤالهم النبى صلىاللهعليهوسلم
مثل قولهم :
«وأيّنا لم يظلم نفسه» حينما نزل قوله
تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ).
ففسّره النبى صلىاللهعليهوسلم
بالشرك ، واستدلّ بقوله سبحانه : (إِنَّ الشِّرْكَ
لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
وكذلك حين قال النبى صلىاللهعليهوسلم : «من نوقش الحساب
عذّب» سألته عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها عن قوله تعالى : (فَسَوْفَ
يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) فقال صلىاللهعليهوسلم
«ذلك العرض» وكقصة عدىّ بن حاتم في الخيط الأبيض والخيط الأسود. ونحن محتاجون إلى
ما كانوا يحتاجون إليه. بل نحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير ، لقصورنا عن مدارك
اللغة وأسرارها بغير تعلم» ا ه.
مما تقدم يتبين أن فائدة التفسير هى
التذكر والاعتبار ، ومعرفة هداية الله في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق ،
ليفوز الأفراد والمجاميع بخير العاجلة والآجلة.