بعد التطويل أن من قال : إن الله تعالى لم ينزل القرآن بالإمالة أخطأ وأعظم الفرية على الله تعالى ، وظنّ بالصحابة خلاف ما هم عليه من الورع والتّقى.
قلت : كأنه يشير إلى كونهم كتبوا بالإمالة في المصاحف نحو «يحيى ، وموسى ، وهدى ، ويسعى ، والهدى ، ويغشيها ، وجليها ، وآسى ، وآتينكم» وما أشبه ذلك مما كتبوه بالياء على لغة الإمالة ، وكتبوا مواضع تشبه هذا بالألف على لغة الفتح ، منها قوله عزوجل في سورة إبراهيم : (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) حتى إنهم كتبوا «تعرفهم بسيميهم» فى البقرة بالياء ، وكتبوا (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) بالألف. وأىّ دليل أعظم من ذلك؟.
قال الهذلى : وقد أجمعت الأمة من لدن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى يومنا هذا على الأخذ والقراءة والإقراء بالإمالة والتفخيم. وذكر أشياء ، ثم قال : وما أحد من القراء إلا رويت عنه إمالة قلّت أو كثرت ـ إلى أن قال ـ وهى (يعنى الإمالة) لغة هوازن ، وبكر بن وائل ، وسعد بن بكر.
وأما تخفيف الهمزة ونحوه من النقل والإدغام وترقيق الراءات وتفخيم اللامات فمتواتر قطعا ، معلوم أنه منزل من الأحرف السبعة ، ومن لغات العرب الذين لا يحسنون غيره ، وكيف يكون غير متواتر أو من قبيل الأداء؟ وقد أجمع القراء في مواضع على الإدغام فى مثل «مدّكر ، أثقلت (١) دعوا الله ربّهما ، ما لك لا تأمنّا على يوسف» وكذلك أجمع القراء في مواضع على تخفيف الهمز نحو «آلآن ، آلله ، آلذّكرين» فى الاستفهام ، وفي مواضع على النقل نحو «لكنّا هو الله ربّى» ، و «يرى ، ونرى». وعلى ترقيق الراءات في مواضع نحو «فرعون ، ومرية» وعلى تفخيم اللامات في مواضع نحو اسم الجلالة بعد الضمة والفتحة.
__________________
(١) لعله يريد إدغام التاء في الدال.