ولا تنازعوا فيه ، فإنه لا يختلف ولا يتساقط : ألا ترون أن شريعة الإسلام واحدة حدودها وقراءتها ، وأمر الله فيها واحد. لو كان من الحرفين حرف يأمر بشيء وينهى عنه الآخر ، كان ذلك الاختلاف. ولكنه جامع ذلك كله. ومن قرأ قراءة فلا يدعها رغبة عنها ، فإنه من كفر بحرف من كفر به كله» ا ه.
(الشبهة الثانية):
يقولون : إن هذا الاختلاف في القراءات ، يوقع في شك وريب من القرآن. خصوصا إذا لاحظنا في بعض الروايات معنى تخيير الشخص أن يأتى من عنده باللفظ وما يرادفه ؛ أو باللفظ وما لا يضاده في المعنى ، كحديث أبى بكرة ، وفيه «كلها شاف كاف ، ما لم تختم آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب ، نحو قولك : تعال ، وأقبل ، وهلمّ ، واذهب ، وأسرع ، وعجل». جاء بهذا اللفظ من رواية أحمد بإسناد جيد ومثله حديث أبىّ بن كعب. وأكثر من ذلك ما جاء في فضائل أبى عبيد أن عبد الله بن مسعود أقرأ رجلا : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) فقال الرجل : «طعام اليتيم» فردّها عليه ، فلم يستقم بها لسانه : فقال : أتستطيع أن تقول : طعام الفاجر. قال : نعم. قال : فافعل.» ا ه.
والجواب : أن اختلاف القراءات لا يوقع في شك ولا ريب ما دام الكلّ نازلا من عند الله. وأما هذه الروايات التى اعتمدت عليها الشبهة ؛ فلا نسلم أنه يفهم منها معنى تخيير الشخص أن يأتى من تلقاء نفسه باللفظ وما يرادفه ، أو باللفظ وما لا يضاده في المعنى ، حتى يوقع ذلك في ريب من هذا التنزيل. بل قصارى ما تدلّ عليه هذه الروايات أن الله تعالى وسع على عباده ، خصوصا في مبدأ عهدهم بالوحى ، أن يقرءوا القرآن بما تلين به ألسنتهم وكان من جملة هذه التوسعة القراءة بمترادفات من اللفظ الواحد للمعنى الواحد ، مع ملاحظة أن الجميع نازل من عند الله ، نزل به الروح الأمين ، على قلب محمد صلىاللهعليهوسلم ،