وباب جمع القرآن من كتاب فضائل القرآن بصحيح البخاري) فقال ما موجزه :
(إذا اختلفتم في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّما نزل بلسانهم ففعلوا ذلك) (١).
كان ذلكم افتراضهم الأوّل وجوابنا عنه. وافتراضهم الثاني وجوابنا عليه كالآتي :
الافتراض الثاني :
قالوا بوجود ألفاظ مترادفة في لغة العرب بأيّها قرأت القرآن أصبت ، في حين أنّه لا توجد في لغة العرب ألفاظ مترادفة ، لا يختلف معنى بعضها عن بعض ، بل أنّ الألفاظ الّتي يقال عنها : إنّها مترادفة في حين أنّها تشترك في المصداق.
والمصداق يتضمّن كلّ لفظ منها معنى يختصّ به ويمتاز به عن مرادفه ، ويعرف ذلك بدراسة موارد استعمالها في كلام فصحاء العرب.
فإنّ للرقبة والعنق والجيد ـ مثلا ـ مصداقا واحدا ، غير أنّ الجيد يتضمّن معنى الحسن ، ومن ثمّ يقال : (جيد الفتاة) ، و (جيد الغزال) ، ولا يقال عند وصف حسنهما : ما أجمل عنق الفتاة أو ما أحسن رقبة الغزال!.
والرقبة جزء من الإنسان ، وقد يتضمّن معنى الكلّ ، فيقال : (عتق رقبة) ولا يقال : أعتق جيدا أو عنقا. ويتضمن العنق في ما يتضمن معنى الطول. ومن ثمّ يقال : طويل العنق ، ومدّ عنقه. ولا يقال : مدّ رقبته أو جيده.
ومن ثمّ ندرك بعض وجوه البلاغة في قوله تعالى في ذمّ امّ جميل زوجة أبي لهب : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (المسد / ٥). فإنّه ـ تعالى ـ وصفها بأنّها جعلت في جيدها ـ بدلا من القلادة الّتي تزين جيد الفتاة ـ حبلا من ليف النخل تحمل به الحطب ، إمّا لإلقائها الشوك في طريق الرسول (ص) ، أو لقيامها بإيقاد
__________________
(١) صحيح البخاري ٣ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.