فهذا العلم الاجمالي يكون ملاكاً لحكم العقل بوجوب علاج هذه الغفلة لسد باب المخالفة ، وباب التفويت من هذه الناحية ، فان التفويت من هذه الناحية اختياري له ، فيحكم العقل بعدم جواز التفويت من هذه الناحية ، ولزوم سد بابه ، إلا أن هذا فرض جديد ما وجد له نظير في الأصول.
وذلك لأنه لا اشكال ولا ريب في ان مخالفة التكليف اذا صارت من المكلف حال كون التكليف واصلاً ومقدور الامتثال فيعاقب على مخالفته تكون مخالفته قبيحة بحكم العقل ، وإذا فرضت ان المخالفة صدرت منه حال عدم كون التكليف واصلاً ، أو حال عدم كونه مقدوراً ، فلا يعاقب على ذلك هذا نقيض الشق الاول ، وهنا حالة متوسطة بين الحالتين وهي ان تصدر منه المخالفة في حال لا يكون التكليف في تلك الحالة واجداً لهذين الشرطين ، وهما الوصول والقدرة ، ولكن كان واجداً لذلك وزال وجدان التكليف لذلك باختيار المكلف ، هذه حالة متوسطة بين الحالتين ، وهذه الحالة المتوسطة لها فرعان :
الفرع الأول : ان لا يكون الامتثال مقدوراً حال المخالفة ، لكن كان مقدوراً قبل ذلك ، والمكلف بسوء اختياره ازال القدرة ، هذا الفرع موجود في الاصول ، وهو ما نسميه «الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار» ، قالوا في الاصول : انه اذا ازال القدرة بعد فعلية الحكم الالزامي ، كما اذا حل عليه الوقت ولم يكن عنده إلا ماء واحد ، فسكب هذا الماء وإلقاه على الارض ، وجعل نفسه عاجزاً ، ثم جاء بالصلاة بلا وضوء من ناحية عجزٍ ناشئ عن اعدام القدرة فيكون عمله مصداقاً من مصاديق قاعدة الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار ، فيعاقب لا محالة. واذا فرض انه اعدم قبل دخول الوقت ، كما اذا كان عنده ماء قبل دخول الوقت ، ولو شربه ، أو ألقاه على الأرض سوف لن يحصل على ماء بعد ذلك مثلاً ، فهل يجب عليه إبقاء القدرة؟ ولو أعدم هذه القدرة قبل الوقت يعاقب بعد هذا أو لا يعاقب؟ هذا يدخل في بحث المقدمات المفوتة على القول بوجوب المقدمات المفوتة ، أو عدم وجوبها ، أو التفصيل فيها بين بعض الموارد والبعض الآخر. هذا قرأناه في الاصول.