المفسدة النوعية التي أدركوها بهذه الحيثية تطابقوا على المدح والذم حفظاً لتلك المصالح ، ودرءاً لتلك المفاسد ، اذاً فالتطابق على المدح والذم هنا لم يكن بحيثية كونهم عقلاء محضاً ، بل لتلك الحيثية زائداً عليها حيثية كونهم ذوي مصلحة ، وهذه الحيثية الثانية غير موجودة في الشارع.
فان الشارع ، سبحانه وتعالى ، لم يفرض فيه انه سوف يتعايش مع افراد هذا المجتمع كي يضره الكذب ويصلحه الصدق ، بل هو ليس له مصلحة في هذا المطلب بوجه من الوجوه ، فكم هو غريب عن التفكير العلمي ما صدر عن المحقق الاصفهاني (قدسسره) من تقريب الملازمة على المبنى الفلسفي بهذا المعنى ، مع ان الحيثية المناسبة مع التطابق على المدح والذم هي حيثية كونهم ذوي مصلحة ، لا حيثية كونهم عقلاء.
نعم هنا شيء ، وهو في المرتبة السابقة على تطابق العقلاء على المدح والذم ، وهو أن العقلاء ادركوا المصالح والمفاسد بقانون تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد ، فيستكشف حينئذٍ الحكم الشرعي ، وهذا استكشاف من العقل النظري محضاً لا من العقل العملي ، وفي المقام ليس كلامنا في استكشاف الحكم الشرعي من المصالح والمفاسد النوعية التي ادركها العقلاء ، لأن هذا الاستكشاف استكشاف من العقل النظري محضاً لا ربط له بالعقل العملي ، حتى لو انكرنا العقل العملي رأساً كما أنكره الاشعري ؛ لا بهذا المعنى الملفق المزيف ، ولا بمعنى آخر ، لو انكرناه رأساً وصراحة وبكل شجاعة ايضاً ، مع هذا نقول بالملازمة ما بين الحكم الشرعي مثلاً وبين ادراك تلك المصالح والمفاسد ، فاستكشاف الحكم الشرعي ببركة ادراك المفاسد والمصالح النوعية استكشاف على اساس العقل النظري ، وهو البرهان اللمّي الذي أشرنا اليه حين قلنا فيما سبق ان استنتاج الحكم الشرعي من العقل النظري تارة يكون بالبرهان الإني ، أخرى باللمّي ، هذا هو اللمّي أي يصير استكشاف المعلول من ناحية العلة ، وهو امر صحيح.
كلامنا الآن في استكشاف الحكم الشرعي بتوسط العقل العملي ، والعقل العملي ليس هو مجرد ادراك المصلحة والمفسدة ، بل العقل العملي هو التطابق على