إطلاقا ؛ لأن ثبوت كل حد اكبر للحد الاوسط وكل حد أوسط للحد الأصغر إن كان بديهياً امتنع وقوع الخطأ في الكبرى والصغرى معاً ، كما امتنع وقوع الخطأ في تطبيق الأكبر على الأصغر ، أي النتيجة ببداهة الشك الأول من القياس وضمان انتاجه ذاتاً ، وإما أن يكون ترتيب الحد على الحد الذي يليه مباشرة نظرياً مكتسباً فهو محال ، لأننا كما عرفنا ان اكتساب حد من حد إنما يكون بواسطة الحد المتوسط بينهما ، أي انه لا يكون إلا بقياس ، والقياس يحتاج الى حد متوسط ، وهو خلف ما فرضناه من كون الحد الثاني تالياً للحد الأول مباشرة.
فالبرهنة على ثبوت أي حد للحد الذي يليه واكتساب هذا الثبوت عن طريق القياس أمر غير معقول ، فلا بد ان نفترض لكي ندخل في القائمة امكان الخطأ ان تطبيق بعض الحدود على ما يليها قضية عقلية من نوع ثالث لا هو بالبديهي المضمون ذاتاً ، ولا هو بالنظري المكتسب المضمون بالعرض منطقياً ، وهذا النوع الثالث من الجزم أو من العقل هو المصدر الخطير للأخطاء الواقعة في المعرفة البشرية ويترتب على ما قلناه أمور :
الأول : ان العقل النظري لو فرض من النوع الثالث من العقل لما بقيت عندنا إلا تلك الحدود المتدرجة التي يكون ثبوت كل حد فيها لما يليه بديهياً غير مكتسب ، وحينئذٍ تكون جميع القضايا مضمونة ، إما بالبداهة مباشرة كتطبيق حد على ما يليه ، أو بواسطة الشك الأول من القياس البديهي الانتاج بواسطة تطبيق حد على ما هو متأخر عنه بمرتبتين في قوس النزول ، ولا يبقى مجال للخطإ في العقل إلا من ناحية الذهول الاستثنائي ، أو عدم تصور اطراف القضية ، فان الحكم البديهي لا يكون إلّا بعد تصور الاطراف ، فان عدم تصور اطراف قضية حدية يؤدي الى عدم ادراكها ، وبالتالي الى عدم ادراك الحد الاوسط لما يتلوها من الحدود ، وهذه المناشئ للخطإ نادرة جداً. وعلى هذا الاساس يمكن بتجاوز هذه الندرة ضمان حقانية العقل النظري بعد استثناء النوع الثالث منه ، ولهذا كانت الرياضيات يقينية لان الحدود فيها كلها بديهية تصديقاً بعد فرض التصور وثبوت كل حد لما يليه أي كل كبرى للصغرى التي تليها مباشرة بديهي أيضاً ، وتطبيق الكبرى على القضية الاكثر