العلم به؟ أو كيف يحصل؟ والذوق الذي يكون في مشاهدة الحق لا يقع عليه اصطلاح ، فإنه ذوق الأسرار ، وهو خارج عن الذوق النظري والحسي ، فإن الأشياء ـ أي كل ما سوى الله ـ لها أمثال وأشباه ، فيمكن الاصطلاح فيها للتفهيم ، عند كل ذائق له فيها طعم ذوق ، من أي نوع كان من أنواع الإدراكات ، والبارىء ليس كمثله شيء ، فمن المحال أن يضبطه اصطلاح ، فإن الذي يشهد منه شخص ما هو عين ما شهده شخص آخر جملة واحدة ، وبهذا يعرفه العارفون ، فلا يقدر عارف بأمر أن يوصل إلى عارف آخر ما يشهده من ربه ، لأن كل واحد من العارفين شهد من لا مثل له ، ولا يكون التوصيل إلا بالأمثال ، فلو اشتركا في صورة لاصطلحا عليها بما شاءا : وإذا قبل ذلك واحد جاز أن يقبل جميع العالم ، فلا يتجلى في صورة واحدة لشخصين من العارفين ، فلما علم العارفون أن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ، ولا في صورة واحدة مرتين ، لم ينضبط لهم الأمر ، لما كان لكل شخص تجل يخصه ، ورآه الإنسان من نفسه ، فإنه إذا تجلى له في صورة ، ثم تجلى له في صورة غيرها فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق ، هكذا دائما في كل تجل ، علم أن الأمر في نفسه كذلك ، في حقه وحق غيره ، فلا يقدر أن يعيّن في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين ، فهم يعلمون ولا ينقال ما يعلمون ، ولا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه ، أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه ، إلا ما أوقعه تعالى ، وهو قوله عزوجل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فنفى المماثلة ، فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى.
فعزّ الأمر أن يدرى فيحكى |
|
وجلّ فليس يضبطه اصطلاح |
فتجهله العقول إذا تراه |
|
تعبر عنه ألسنة فصاح |
من أقوام مقلدة عقولا |
|
لإمكان يكون به الصلاح |
فهم بالفكر قد جمعوا عليه |
|
على جهل فخانهم الفلاح |
وقال العارفون بما رأوه |
|
فما اصطلحوا فجاءهم النجاح |
فليس كمثله في الكون شيء |
|
وليس له بنا إلا السراح |
فكل ما خطر في سرك ، أو تصور وحصر في وهمك ، أو حاك وتلجلج في صدرك ، أو دل عليه عقلك ، فالله بخلاف ذلك ، فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.