سمعها ، وكل لفظ ورد في وصف الله تعالى معرى عن لفظة المثل وحرف كاف الصفة ، فقد تعرى عن أدوات التشبيه ، ولحق بالألفاظ المشتركة. واعلم أن كاف الصفة لا فرق بينها وبين لفظة المثل ، وإن كان لهذا الحرف مواطن من جملتها موطن الصفة ، فإذا وردت في موطن الصفة في اللسان وهو أن تقول : زيد كعمرو ، فإن العرب لا تريد إلا الإفادة ، فمن المحال أن تجيء بمثل هذا وتريد أنه يماثله في الإنسانية ـ وهي المماثلة العقلية ـ وإنما تريد أنه كعمرو في الكرم مثلا ، أو في الشجاعة أو في الفصاحة أو في العلم أو في الحسن وما أشبه ذلك ، مما دل عليه الحال بقرينته عند السامع ، لتقع له الفائدة ، فإذا قال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فلابد أن يقول فيماذا؟ أو يدل عليه قرينة الحال في المجلس ، ولا سيما وقد أردف نفي المماثلة بقوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وهاتان صفتان محققتان في المخلوق ، فلابد أن تحقق ما نفى ، وأن يعلم هل هي كاف الصفات أو غيرها مما يطلبه اللسان منها بما وضعها له؟ فإن كانت كاف صفة هنا فما نفى إلا مماثلة المثل أن يماثل ، فأثبت المثل له بالهاء التي في (كَمِثْلِهِ) وهي ضمير يعود على الحق ، ومعلوم أن المثل ليس عين مماثله ، ولو كان عين من هو مثل له ما كان مثلا ، لا عقلا ولا شرعا ، فوجود المثل عين إثبات الغير بلا شك ، فإن عمت المماثلة فهي العقلية بلا شك ولا ينكرها اللسان ، وإن خصت فهي لما خصت له حقيقة لا مجازا ، مثل زيد كالبحر لاتساعه في العلم أو في الجود ، ومن العلماء من جعل الكاف في (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) زائدة ، فإن كانت جاءت لمعنى فما هي زائدة ، فإن ذلك المعنى الذي سيقت له لا يظهر ولا يحصل إلا بها في نفس المخاطب ، فانتفى أن تكون زائدة ، فإن الله ما خلق شيئا باطلا ولا عبثا ، والزائد لغير معنى إنما هو عبث ، والعرب من المحال أن تجيء بزائد لغير معنى ، فإذا جاءت بهذا الحرف جاءت به لمعنى ، فهو لما جاءت به ، فإن المتكلم لا يجيء بالكلمة فيما يقوله النحوي زائدة إلا لقصد التوكيد ، فإذا زالت زال التوكيد ، فإذا ما هي زائدة ، فإن الكلام المؤكد ما استقل دونها وما يقوم مقامها ، فإذا أكد تعالى نفي المثل فما هي زائدة ، فجعل تأكيد نفي المثل في مقابلة من أثبت المثل فرضا ووجودا في زعمه ، والصحيح في هذه الكاف أنها كاف الصفة بقرائن الأحوال ، أي لو فرض له مثل لم يماثل ذلك المثل ، فأحرى أن لا يماثل ، فهو أبلغ في المعنى في نفي المماثلة في اللسان ، ثم نقول في قولنا بقرائن الأحوال لكون الحق ما وصف الإنسان الكامل إلا بما