كوكبها ، فالأرض الأولى وهي التي نحن عليها للفلك الأول من هناك ، ثم تنزل إلى أن تنتهي إلى الأرض السابعة والسماء الدنيا ، ولذلك قال عليهالسلام فيمن غصب شبرا من الأرض [طوقه الله به من سبع أرضين] لأنه إذا غصب شيئا من الأرض ، كان ما تحت ذلك المغصوب مغصوبا إلى منتهى الأرض ، ولو لم تكن طباقا بعضها فوق بعض لبطل معقول هذا الخبر ، وكذلك الخبر الوارد في سجود العبد على الأرض : طهّر الله بسجدته إلى سبع أرضين ، وقال تعالى : (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً) ، أي كل واحدة منهما مرتوقة ، ثم قال : (فَفَتَقْناهُما) يعني فصل بعضها عن بعض حتى تميزت كل واحدة عن صاحبتها ، كما قال : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) الظاهر يريد طباقا ثم قال : (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) أي بين السموات والأرض.
(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ) (١٠)
(وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) قدّر الله في هذه الأرض الأولى أقواتها فجعلها ذات مقدار ، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، والأرزاق في تقديرها بوجهين : الوجه الواحد كمياتها ، والثاني أوقاتها ، فأعطى الحق مقادير أوقات الأقوات وموازينها ، فإن القوت لكل من لا يقوم له بقاء صورة في الوجود إلا به ، ومن هذه الأقوات عين الوحي الذي في السماء ، فالقوت في الأرض كالأمر في السماء ، وتقدير القوت في الأرض كالوحي في السماء ، وهو عينه لا غيره ، فأوحى في كل سماء أمرها ، وهو تقدير أقواتها ، وقدر في الأرض أقواتها ، فالرزق الذي في الأرض ما تقوم به الأجسام ، والذي في السماء ما تقوم به الأرواح ، وهو قوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) وكل ذلك رزق ليصح الافتقار من كل مخلوق ، وينفرد الحق بالغنا (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) أي في أربعة آلاف سنة ، كل يوم من الأيام ألف سنة عنده ، وخلق الله الأرض وقدر فيها أقواتها علما ، لأنه قال بعد ذلك ، ثم استوى ، فجاء بثم التي تؤذن بالبعدية ، فبعد أن دارت السموات بكواكبها ، فتق الأرض بما أخرج فيها ومنها من معدن ونبات وحيوان ، فكان إيجادا عند دوران الأفلاك بعد تقدير.