الصلاة والسلام ، وقال جل ثناؤه (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ـ الوجه الأول ـ يعني نبعثه بالآيات البينات على صدق دعواه ، وكذا أخبر الله تعالى أنه أيّد الرسل بالبينات ليعذر الإنسان من نفسه ، فإنه قبل إرسال الرسل لم يقيد الإنسان ، بل كان يجري بطبعه من غير مؤاخذة أصلا ، فوجد العذر لمن لم تبلغه الدعوة الإلهية ، فحكمه حكم من لم يبعث الله إليه رسولا ، والرسول ما هو رسول لمن أرسل إليه حتى يؤدي رسالته لمن أرسل إليه ، ففي هذه الآية رحمة عظيمة لما هو الخلق عليه من اختلاف الفطر المؤدي إلى اختلاف النظر ، فإن الله تعالى قال (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) لم يقل حتى نبعث شخصا ، فلا بد أن تثبت رسالة المبعوث عند من وجه إليه ، فلا بد من إقامة الدلالة البينة الظاهرة عند كل شخص شخص ممن بعث إليهم ، فإن ربّ آية يكون فيها من الغموض أو الاحتمال بحيث أن لا يدرك بعض الناس دلالتها ، فلا بد أن يكون الدليل من الوضوح عند كل من أقيم عليه حتى يثبت عنده أنه رسول ، وحينئذ إن جحد بعد ما تيقن تعينت المؤاخذة ، وما فعل الله ذلك إلا رحمة بعباده لمن علم شمول الرحمة الإلهية التي أخبر الله تعالى أنها وسعت كل شيء ـ الوجه الثاني ـ هذه الآية تدل على أن الشرائع قد عمت جميع الخلق من آدم إلى نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم وقد قال تعالى (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) ـ الوجه الثالث ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصحيح : [من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة] ولم يقل هنا يؤمن ، فإن الإيمان موقوف على الخبر ، وقد قال (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وقد علمنا أن لله عبادا كانوا في فترات وهم موحدون علما ، وما كانت دعوة الرسل قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عامة فيلزم أهل كل زمان الإيمان ، فعم بهذا الكلام جميع العلماء بتوحيد الله المؤمن منهم من حيث ما هو عالم به من جهة الخبر الصدق الذي يفيد العلم لا من جهة الإيمان وغير المؤمن ، فالإيمان لا يصح وجوده إلا بعد مجيء الرسول ، والرسول لا يثبت حتى يعلم الناظر العاقل أن ثم إلها وأن ذاك الإله واحد ، لا بد من ذلك ، لأن الرسول من جنس من أرسل إليهم ، فلا يختص واحد من الجنس دون غيره إلا لعدم المعارض وهو الشريك ، فإذا حصل التصديق بأنه رسول الله تتأهب العقلاء أولوا الألباب والأحلام والنهى لما يورده في رسالته هذا الرسول ، فمن مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة بلا شك ولا ريب وهو من السعداء فأما من كان من أهل الفترات فيبعثه الله أمة وحده كقس بن