بجعل الله ، فمن مشى في غير طريقه التي عين الله له المشي عليها ، فقد حاد عن سواء السبيل التي عين الله له المشي عليها ، كما أن ذلك الآخر لو ترك سبيله التي شرع الله له المشي عليها ، وسلك سبيل هذا سميناه حائدا عن سبيل الله ، والكل بالنسبة إلى واحد واحد على صراط مستقيم فيما شرع له. ولهذا خط رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطأ ، وخط عن جنبتي ذلك الخط خطوطا ، فكان ذلك الخط شرعه ومنهاجه الذي بعث به ، وقيل له : قل لأمتك تسلك عليه ولا تعدل عنه. وكانت تلك الخطوط شرائع الأنبياء التي تقدمته ، والنواميس الحكمية الموضوعة ، ثم وضع يده على الخط وتلا (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) فأصل وضع الشريعة في العالم وسببها طلب صلاح العالم ، ومعرفة ما جهل من الله مما لا يقبله العقل ، أي لا يستقل به العقل من حيث نظره ، فنزلت بهذه المعرفة الكتب المنزلة ، ونطقت بها ألسنة الرسل والأنبياء عليهمالسلام بما هو وراء طور العقل ، فعينت الرسل الأفعال المقربة إلى الله ، وأعلمت بما خلق الله من الممكنات فيما غاب عن الناس ، وما يكون منه سبحانه فيهم في المستقبل ، وجاؤوا بالبعث والنشور ، والحشر والجنة والنار ، وتتابعت الرسل على اختلاف الأزمان واختلاف الأحوال ، وكل واحد منهم يصدق صاحبه ، ما اختلفوا قط في الأصول التي استندوا إليها وعبروا عنها ، وإن اختلفت الأحكام ، فتنزلت الشرائع ، ونزلت الأحكام ، وكان الحكم بحسب الزمان والحال ، واتفقت أصولهم من غير خلاف في شيء من ذلك. فالشرائع كلها بالجعل ، ولهذا تجري إلى أمد ، وغايتها حكم الحق بها في القيامة في الفريقين ، وأما اختلاف الشرائع فلاختلاف النسب الإلهية ، لأنه لو كانت النسبة الإلهية لتحليل أمر ما في الشرع ، كالنسبة لتحريم ذلك الأمر عينه في الشرع ، لما صح تغيير الحكم ، وقد ثبت تغيير الحكم ، ولما صح أيضا قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) وقد صح أن لكل أمة شرعة ومنهاجا ، جاءها بذلك نبيها ورسولها ، فنسخ وأثبت ، فعلمنا بالقطع أن نسبته تعالى فيما شرعه إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ، خلاف نسبته إلى نبي آخر ، وإلا لو كانت النسبة واحدة من كل وجه ، وهي الموجبة للتشريع الخاص لكان الشرع واحدا من كل وجه بقوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) وأما اختلاف النسب الإلهية ، فلاختلاف الأحوال ، وهو قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) لاختلاف الزمان فإن اختلاف أحوال الخلق سببها اختلاف الأزمان عليها ،