في قسم الله جل ثناؤه بالربوبية على صورة تحصيل الإيمان ، أقسم سبحانه على نفسه باسم الرب المضاف إلى نبيه محمد عليهالسلام على أقصى غاية مراتب الإيمان ، فقال : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ...) الآية فمن شرط قوة الإيمان وتحصيله أن لا ننتظر حكم من آمنا به ، بل نحكمه علينا ابتداء منا ، تثبيتا لإيماننا ونرضى بقضائه فينا ، ولا نبالي بما حكم علينا بما يهون علينا حمله أو ما لا يهون ، فإذا قضى بما قضى به علينا مما تعظم مشقته ويصعب حمله ، طابت به نفوسنا ، وعظمت اللذة بذلك في قلوبنا ، وزال عن النفس ما كان شجر بينها وبين خصمها ، وانقادت بحكم الله علينا سهلة ذلولة. ومتى لم نجد ذلك في نفوسنا ، فليس عندنا رائحة من حقيقة الإيمان في جميع حكمه كله علينا ، بل عليه أن ينقاد بظاهره على الفور انقيادا كليا على الانقياد لما وقع به الحكم من الشرع ، ولهذا قال (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فأكده بالمصدر للتفرغ في الانقياد إليه ، وعلى قدر ما يتوقف أو يجده في نفسه حرجا أو أمرا ينافي وجه اللذة والحب والعشق في ذلك الحكم ، ينتفي منك التصديق ضرورة ، ولما كان هذا المقام الشامخ عسيرا على النفوس نيله ، أقسم بنفسه جل وتعالى عليه. ولما لم يكن المحكوم عليهم يسمعون ذلك من الله ، وإنما حكم عليهم بذلك رسول الله الثابت صدقه ، النائب عن الله وخليفته في الأرض ، لذلك أضاف الاسم إليه عناية به وشرفا له صلىاللهعليهوسلم ، فقال (فَلا وَرَبِّكَ) وجعله بحرف الخطاب إشارة إلى أنه حاضر معنا ، ولم يجعلها إضافة عينية.
وقوله تعالى (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، فإن من سلّم لم يطلب على العلة في كل ما جاء به النبي ، ولا في مسئلة من مسائله ، فإن جاء النبي بالعلة قبلها كما قبل المعلول ، وإن لم يجئ بها سلّم.
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (٦٦)
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) على ألسنتهم وألسنة غيرهم (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً).
(وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٦٨)