لا كلفة عليها إلا إذا كانت صاحبة غرض ، فكلفت بما لا غرض لها فيه ، ولهذا لم يعذر
____________________________________
مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) على جهة الوعظ لكم لتزدجروا وتنتهوا وتقفوا عند حدوده ، ثم قال : (وَاتَّقُوا اللهَ) في ذلك أي في كل ما ذكرناه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ) تعملونه وتضمرونه في قلوبكم من خير وشر (عَلِيمٌ) وعيد من الله وتعليم وتنبيه وتذكرة ، ثم قال : (٢٣٣) (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) يقول : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) بانقضاء العدة على كل وجه كما تقدم (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) يخاطب من يخاطب المرأة من عائلته من أوليائها ، يقول : لا تمنعوهن (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) أن ترجع إلى زوجها إذا تراضيا على ذلك بالمعروف ، فهو أحق بها من غيره ، وفي هذه الآية دليل على أن تنكح المرأة نفسها ، وقوله : (بِالْمَعْرُوفِ) يعني : (إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ) بما تجيزه الشريعة من ذلك ، أي على الوجه المشروع ، ثم قال : (ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الإشارة بذلك لقوله : (تَعْضُلُوهُنَّ) ولقوله : (بِالْمَعْرُوفِ) في هذه الآية ، العضل في اللسان الأمر الذي لا يطاق لشدته على النفوس ، ومنه الداء العضال وهو الذي لا يطاق علاجه ، يقال عضل الفضاء بالجيش أي ضاق عنه لكثرته فلا يسعه ، وعضلت المرأة إذا نشب الولد في رحمها لضيق المخرج ، وأعضل الأمر إذا اشتد ، يقول : وهذا الوعظ المنزل من الله لا يقبله إلا من كان منكم يؤمن بالله ، أي يصدق بالله ، إنه عليم بما يكون منكم وقادر على مؤاخذتكم على ذلك (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يقول : ويصدق بأن ثمّ يوما بعد انقضاء الدنيا ، يأخذ الله فيه من الظالم للمظلوم ، وقوله : (ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) أي لا تعضلوهن ، وفي حق الزوجين أزكى وأطهر إن تراضيا بالمعروف (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي والله يعلم ما ينفعكم عنده فيأمركم به ، وما يضركم عنده فينهاكم عنه (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك ، ففي هذا رد على الفلاسفة حيث يزعمون أنهم عالمون بذلك من غير ورود وحي من الله ، وأن ذلك من مدارك العقول ، وعند المعتزلة أن بعض ذلك من مدارك العقول ، وبعضه لا يدرك إلا بإعلامه لاشتباهه علينا ، فنفى الحق ذلك بقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) نزلت هذه الآية في معقل ابن يسار حين عضل أخته ، وقيل في جابر بن عبد الله حين عضل بنت عمه (٢٣٤) (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) أمر خرج مخرج الخبر ، يقول : حق على الوالدة رضاع ولدها ، والذي يقول إنه لا يجب عليها ذلك لقوله تعالى : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) وأنه إنما يجب على المولود له وهو الأب ، يقول : بإيجابه إذا لم يقبل غير ثدي أمه ، أو يكون الوالد معسرا ، فالقرآن أوجب الرضاعة على الأم وأوجب على الأب نفقة