الحياة التي يحيا بها كل شيء ، وهو العلم المتولد بين النبات والجماد من المولدات بصفة القهر ، فإن العيون الإثنتي عشرة إنما ظهرت بضرب العصا الحجر ، فانفجرت منه بذلك الضرب
____________________________________
(وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) أنفسكم ، أي ظلم بعضكم بعضا ، حيث لم يأخذ بعضكم على بعض ، ولا نهى بعضكم بعضا في اتخاذكم العجل إلها من دون الله (٥٣) (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) إشارة إلى الاتخاذ ، أي لم ندخر لكم العقوبة إلى الآخرة ، وجعلنا عقوبتكم في الدنيا ، وفرضنا لكم التوبة ، وهو الرجوع من شرككم إلى توحيد الله كما سيأتي ، ثم قال (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) على هذه النعمة في قبول التوبة ورفع العقوبة عنكم في الآخرة ، وقد ندخل نحن في قوله (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) حيث قصصنا عليكم ما كان منا في حق الأمم من قبلكم ، فتشكرون نعمة الله عليكم حيث عافيناكم مما ابتلينا به من كان قبلكم ، وسنأتي على شرح هذه القصة في مكانها من الأعراف وطه ، ثم قال (٥٤) (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) الآية ، ومن النعم أيضا على نبيكم موسى وعليكم ، أن آتيناه ، أي أعطيناه وأنزلنا عليه الكتاب ، يعني التوراة ، يقول : الجامعة لما فيه سعادتكم إن عملتم بها (وَالْفُرْقانَ) فيها ، أي وكتبت الفرقان فيها ، وهو من بعض ما فيها ، يقول : جعلت لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) تتبينون ذلك عند تلاوتكم إياها فتعملون عليه ، ثم من نعمه قوله تعالى (٥٥) (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) الآية ، فنبههم على ذنبهم وعلى ما شرع الحق في ذلك ، فقال (وَإِذْ قالَ) أي يا بني إسرائيل واذكروا أيضا إذ قال (مُوسى لِقَوْمِهِ) الذين عبدوا العجل ، فأضافهم إليه وإن كانوا قد كفروا وخالفوا دينه (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي ظلم بعضكم بعضا حيث لم يرده عما شرع فيه من مخالفة أمر الله (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) إلها من دون الله ، فهؤلاء كفار وليسوا مشركين إن كانوا لم يتخذوه شريكا ، ثم قال (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) فارجعوا إلى الذي خلقكم وبرأكم ، فإن العجل ما يخلق شيئا ، فذكر أخص وصف الإله ، ليدل أن الخلق لا يكون إلا لله ، خلافا لمخالفي أهل الحق الذين ينسبون الخلق إلى غير الله (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي فتوبتكم أن يقتل بعضكم بعضا عقوبة لكم مناسبة كما لم يرد بعضكم بعضا عن عبادة العجل ، وكما لم يرد بعضكم بعضا في ذلك لظلمة الجهل التي أعمت بصائركم ، كذلك أنزل عليكم ظلمة حتى يقتل بعضكم بعضا فيها ، فأرسل الله عليهم ظلمة بحيث لا يبصر بعضهم بعضا ، وتقاتلوا فيها حتى رفع الله عنهم ذلك ، وقصتهم في التاريخ مذكورة ، وغرضنا التنبيه والإيجاز وما يدل عليه اللفظ وكيفية الوقائع موقوف على كتب التواريخ ، ولو وصلت إلينا من طريق صحاح ربما ذكرناها ، ومما ظهر لنا أيضا في إرسال الظلمة عليهم في وقت قتالهم لئلا يدرك الرجل رأفة في أبيه أو ابنه أو أخيه أو ذي قربى ، فيؤديه ذلك إلى الفتور في إقامة