على غفران جميع الذنوب إلا ما دل الدليل على تخصيصه من الكفر.
قوله سبحانه :
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) تدل على بطلان قول من قال إن أصحاب الكبائر لا يجوز أن يعفو الله عنهم إلا بالتوبة لأنه تعالى لم يشرط في ذلك التوبة ومن شرط في الآية التوبة أو خصصها بالصغائر كان تاركا للظاهر وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَبَّاسِ كُنَّا فِي مَجْلِسِ الرِّضَا ع فَتَذَاكَرُوا الْكَبَائِرَ وَقَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ إِنَّهَا لَا تُغْفَرُ فَقَالَ الرِّضَا ع قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ).
قوله سبحانه :
(مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) استدلت المعتزلة بهذه الآية على المنع من غفران معاصي أهل الضلال فقلنا إنها تستغرق جميع من فعل السوء بل قال ابن عباس المراد به الشرك ثم الآية مخصوصة لأن التائب ومن كانت معصيته صغيرة يتناوله العموم فإذا جاز لهم تخصيص الفريقين جاز لنا أن يخص من يتفضل الله عليه بالعفو.
قوله سبحانه :
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) يدل على جواز العفو عن العصاة لأنه تعالى بين أن قوما من هؤلاء العصاة أمرهم مرجى إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء قبل توبتهم فعفا عنهم فلو كان سقوط العقاب عند التوبة واجبا لما جاز تعليق ذلك بالمشية على وجه التخيير لأنهم إن تابوا وجب قبول توبتهم عند الخصم وإسقاط العقاب عنهم وإن أصروا ولم يتوبوا فلا يعفو عنهم فلا معنى للتخيير على قولهم وإنما يصح ذلك على ما نقوله من أن مع حصول التوبة يحسن المؤاخذة فإن عفا فبفضله وإن عاقب فبعدله.
قوله سبحانه :
(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) لا يدل على أن ما يجب غفرانه من الكبائر عند التوبة يجب تعليقه بالمشية لأن عندنا لا يجب إسقاط العقاب بالتوبة عقلا وإنما علمنا ذلك بالسمع وإن الله تعالى يتفضل بذلك.