كان فيما بين ذلك يصرفها في مواضعها ويستوفى الحساب على وكيله ويستقصى عليه فهو رشيد ، وان كان من أولاد التجار فوض اليه البيع والشراء ، فإذا تكرر ذلك منه وسلم من الغبن والتضييع وإتلاف شيء من رأس ماله فهو رشيد ، ونحو ذلك مما يناسب حاله. ولا يكفي المرة الواحدة ، بل لا بد من التكرار مرارا بحيث يحصل معها العلم أو غلبة الظن برشده واعتبر الشيخ في الرشد زيادة على ذلك العدالة وسيجيء.
(حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) حتى إذا وصلوا حد البلوغ ، وبلوغ النكاح كناية عنه ، لأنه يصلح للنكاح عنده وله أسباب منها ما هو مشترك بين الذكر والأنثى كالإنبات للشعر الخشن والاحتلام ، ولا خلاف في ذلك بين علمائنا وان خالف فيه العامة (١). ومنها ما هو مختلف فيه كالسن ، فان البلوغ في الذكر بمضي خمسة عشر سنة كاملة وفي الأنثى بمضي تسع سنين كاملة أيضا ، والى هذا يذهب علماؤنا.
وسوّى الشافعي بينهما في السن ، ونحوه احمد بن حنبل وأبو يوسف ومحمّد من أصحاب أبي حنيفة ، فحكموا بأن البلوغ في الذكر والأنثى بلوغ خمسة عشر سنة كاملة ، وقال أبو حنيفة حد بلوغ المرأة سبع عشر سنة بكل حال ، وله في الذكر روايتان إحداهما سبع عشرة أيضا والأخرى ثماني عشرة سنة ، ونحوه قال مالك.
وهي أقوال ضعيفة ، فان الغالب ان المرأة قد تحيض ببلوغ تسع سنين ، وإنكار البلوغ مع الحيض لا وجه له ، وقد اشتهر (٢) عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم انه قال لأسماء بنت ابى بكر «ان المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها الا هذا» وأشار إلى الوجه والكفين ، علق وجوب الستر بالحيض وهو نوع تكليف.
__________________
(١) فللشافعي قول بأن إنبات الشعر علامة للمشركين خاصة وقال أبو حنيفة لا اعتبار به وقد ثبت من طرق الفريقين انه لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة بان تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم أمر النبي (ص) ان يكشف عن مؤتزرهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت ألحقوه بالذراري. ثم ما كان بلوغا في المشركين كان بلوغا في المسلمين.
(٢) وأيضا قال النبي صلىاللهعليهوآله لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار انظر سنن البيهقي ج ٦ ص ٥٧.