وقال القاضي البيضاوي (١) أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وتسع من ذي الحجّة وليلة النحر عندنا ، والعشر عند أبي حنيفة وذو الحجّة كلّه عند مالك ، وبناء الخلاف أنّ المراد بوقته وقت إحرامه أو وقت أعماله ومناسكه أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقا ، فانّ مالكا كره العمرة في بقيّة ذي الحجّة وأبو حنيفة وإن صحّح الإحرام من قبل شوّال ، فقد استكرهه انتهى.
وفيه نظر فانّ مقتضى كلامه أنّ قول الشّافعي بكون أشهر الحجّ إلى تسع من ذي الحجّة مع ليلة النحر ، مبنيّ على أنّ المراد بوقت الحج وقت الإحرام وهذا يستلزم صحّة الإحرام ليلة النحر وهو بعيد ، إذ لا يجوز تأخير الإحرام إلى وقت يتيقّن فيه فوت عرفة ، فانّ الوقوف بها ركن إلّا أن يريد صحّة ذلك في بعض الصّور كما لو اضطرّ وفيه ما فيه ، وأيضا يقتضي أن لا يصحّ بعض المناسك بعد يوم النحر عند أبي حنيفة وهو باطل قطعا لصحّة بعض المناسك في أيّام التشريق.
وأيضا (٢) كراهة الإحرام بالعمرة عند مالك لا يستلزم القول بأنّ ذا الحجّة بتمامه من أشهر الحجّ بمعنى أنّه لا يحسن غيره فيه ، ولا يكون وجها له ، فانّ الظاهر من الوقت ما صحّ وقوع الفعل فيه [بكراهتها].
وقال في الكشاف (٣) فان قلت ما وجه مذهب مالك ، وهو مرويّ عن عروة بن الزّبير؟ قلت قالوا وجهه أنّ العمرة غير مستحبّة فيه عند عمرو ابن عمر ، فكأنّها مخلصة للحجّ لا مجال فيها للعمرة ، وعن عمر أنّه كان يخفق النّاس بالدّرة ونهاهم عن الاعتمار فيهنّ ، وعن ابن عمر أنّه قال لرجل إن أطعتنى انتظرت حتّى إذا أهللت
__________________
(١) انظر البيضاوي ص ٤٢ ط المطبعة العثمانية.
(٢) وفي نسخة سن : فان قيل : كراهة الإحرام بالعمرة عند مالك لا يستلزم القول بان ذا الحجة بتمامه من أشهر الحج ، قلت : المراد بوقت الحج عند مالك مالا يحسن فيه غيره ، بناء على كونه مخلصا لأفعال الحج. فلا يكون العمرة فيه حسنة ، فلذا حكم بكراهتها.
(٣) انظر ص ٢٤٣ ج ١.