وهكذا ذكر المفسّرون القدامى وهم أعرف وأقرب عهدا بنزول القرآن وبمواقع الكلام الذي خاطب به العرب آنذاك.
قال الحسن ـ في قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ـ : السماء زوج والأرض زوج ، والشتاء زوج والصيف زوج ، والليل زوج والنهار زوج ، حتّى يصير إلى الله الفرد الذي لا يشبهه شيء. (١)
وعن قتادة ـ في قوله تعالى : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ـ (٢) قال : من كلّ صنف اثنين.
قال الطبري : وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيّين : الزوجان ـ في كلام العرب ـ الاثنان. قال : ويقال : عليه زوجا نعال إذا كانت عليه نعلان. ولا يقال : عليه زوج نعال. وكذلك : عنده زوجا حمام ، وعليه زوجا قيود. قال : ألا تسمع إلى قوله تعالى : (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)(٣) فإنّما هما اثنان.
قال : وقال بعض البصريّين من أهل العربية ـ في قوله : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ـ : جعل الزوجين الضربين الذكور والإناث. قال : وزعم يونس أنّ قول الشاعر :
وأنت امرؤ تعدو على كلّ غرّة |
|
فتخطي فيها مرّة وتصيب (٤) |
يعني به (بالمرء) الذئب. وهذا أشدّ من ذلك (أي إطلاق المرء على الذئب أشدّ من إطلاق الزوج على كلّ ذي صنف).
وقال آخر : الزوج اللون ، وكلّ ضرب يدعى لونا ، واستشهد ببيت الأعشى :
وكلّ زوج من الديباج يلبسه |
|
أبو قدامة محبوّ بذاك معا (٥) |
وقال لبيد :
وذي بهجة كنّ المقانب صوته |
|
وزيّنه أزواج نور مشرّب (٦) |
__________________
(١) جامع البيان ، ج ١٢ ، ص ٢٦ ذيل الآية (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) هود ١١ : ٤٠.
(٢) هود ١١ : ٤٠.
(٣) النجم ٥٣ : ٤٥.
(٤) خطاب إلى الذئب ـ في استعارة تخييلية ـ بأنّه يحمل على ما تغافل من صيد فقد يصيبه وقد لا يصيبه.
(٥) أي وكلّ صنف من الديباج ـ الثوب المنسوج من الحرير ـ يلبسه ويحتبي به.
(٦) جامع البيان ، ج ١٢ ، ص ٢٥ ـ ٢٦. ومعنى البيت : أنّ أصوات المقانب وهي جماعة الخيل تجتمع للغارة ، كنّ المقانب :