ولكن لا مرية في أنّ لفظة الدعاء تعني في لغة العرب : النداء لطلب الحاجة فلا يتحقّق مفهوم الدعوة إلّا بطلب الحاجة ، ولو استعملت في مورد في مطلق النداء ولم يكن معه طلب حاجة فإنّما هو لأجل أنّ المنادي يطلب توجّه المنادي إلى نفسه ، بينما تعني لفظة «العبادة» معنى آخر (وهو الخضوع النابع من الاعتقاد بالألوهيّة والربوبية على ما مرّ تفصيله) ، ولا يمكن اعتبار اللفظتين مترادفتين ، ومشتركتين في المفاد والمعنى بأن يكون معنى الدعاء هو العبادة ، لأسباب عديدة هي :
أوّلاً ـ إنّ القرآن استعمل لفظة الدعوة والدعاء في موارد لا يمكن أن يكون المراد فيها العبادة مطلقاً مثل :
(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) (نوح ـ ٥)
فهل يمكن أن نقول : إنّ مراد نوح ـ عليه السلام ـ هو أنّه عبد قومه ليلاً ونهاراً؟!!
وأيضاً مثل قوله تعالى حاكياً عن الشيطان قوله :
(وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) (إبراهيم ـ ٢٢)
فهل يحتمل أن يكون مقصود الشيطان هو أنّه عبد اتباعه ، في حين أنّ العبادة ـ لو صحت وافترضت ـ فإنّما تكون من جانب أتباعه له لا من جانبه تجاه أتباعه.
ومثل هاتين الآيتين ما يأتي من الآيات :
(وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) (غافر ـ ٤١)
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ) (الأعراف ـ ١٩٣)
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) (الأعراف ـ ١٩٨)