وأما قصة الذبح قال السدي : لما دعا إبراهيم فقال : ربّ هب لي من الصالحين وبشر به ، قال : هو إذا لله ذبيح ، فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له : أوف بنذرك ، هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بذبح ابنه ، فقال عند ذلك لإسحاق : انطلق فقرب قربانا لله تعالى فأخذ سكينا وحبلا فانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال ، فقال له الغلام : يا أبت أين قربانك؟ فقال : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ).
وقال محمد بن إسحاق : كان إبراهيم إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقبل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام ، حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته ، أمر في المنام أن يذبحه ، وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا ، فلما أصبح روى في نفسه أي فكر من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم (١) أم من الشيطان؟ فمن ثم سمي يوم التروية ، فلما أمسى رأى في المنام ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله عزوجل ، فمن ثم سمي يوم عرفة ، قال مقاتل : رأى ذلك إبراهيم ثلاث ليال متواليات (٢) ، فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه ، فقال : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى).
قرأ حمزة والكسائي ترى بضم التاء وكسر الراء ما ذا تشير ، وإنما أمره ليعلم صبره على أمر الله تعالى وعزيمته على طاعته ، وقرأ العامة بفتح التاء والراء إلّا أبا عمرو فإنه يميل الراء ، قال له ابنه : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ).
وقال ابن إسحاق وغيره : فلما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه : يا بني خذ الحبل والمدية ننطلق إلى هذا الشعب نحتطب ، فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما أمر ، (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
(فَلَمَّا أَسْلَما) ، انقادا وخضعا لأمر الله تعالى ، قال قتادة : أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) ، أي صرعه على الأرض. قال ابن عباس : أضجعه على [جنبه على](٣) الأرض والجبهة بين الجبينين ، قالوا : فقال له ابنه الذي أراد ذبحه : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينقص أجري وتراه أمي فتحزن ، واستحد شفرتك وأسرع مرّ السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد ، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليهاالسلام مني وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل ، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني ، فقال له إبراهيم عليهالسلام : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ، ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه ، ثم أقبل عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكي والابن أيضا يبكي ، ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك السكين.
ويروى : أنه كان يجر الشفرة في حلقه (٤) فلا تقطع (٥) ، فشحذها مرتين أو ثلاثا بالحجر ، كل ذلك وهي لا تستطيع. قال السدي : ضرب الله تعالى صفحة من نحاس على حلقه ، قالوا : فقال الابن عند ذلك : يا أبت كبني بوجهي [إلى الأرض](٦) على جبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة
__________________
(١) في المطبوع «والحكم» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(٢) في المخطوط «متتابعات» والمعنى واحد.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط (أ): «السكين على» والمعنى واحد.
(٥) في المطبوع «يقطع» والمثبت عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.