قائمة الکتاب

    إعدادات

    في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم

    مرآة الحقائق [ ج ٢ ]

    مرآة الحقائق

    مرآة الحقائق [ ج ٢ ]

    تحمیل

    مرآة الحقائق [ ج ٢ ]

    327/449
    *

    فظهر أن المعرفة في الأصل معرفة واحدة وهي معرفة الله تعالى المؤديّة إلى الشهود في الدنيا ؛ وهو الشهود الحجابي الباطني القلبي المؤدّي إلى الشهود الكشفي الظاهري القالبي ؛ لأن القلب يتصوّر في الآخرة بصورة القالب ، فيكون الشهود بالقلب والقالب جميعا ، وذلك للطافة الأبدان بلطافة العناصر والأركان بخلاف الأبدان الدنيوية ، فإن العناصر فيها لا تخلو عن الكثافة ، والحجاب.

    ومصداقه أن الغيب إذا انكشف ، وورد الموارد منه ، فقد لا يسع القلب ، ويرجع بعضه إلى ما بدأ منه ، ولا يعرفه إلا أهل الذوق ، ومن الله تلطيف العناصر ، وترقيق الباطن والظاهر (١).

    __________________

    ـ يؤمنون بكلّ شيء ، ولا ينكرون عن شيء ، والمعرفة هي العلم بالله الذي لا غاية له في العارفين يقفون عندها ، فلا يزيد عليها بل شأن العارف في كلّ زمان يطلب الزيادة ؛ لأنه كلما زاد علمه يستعد لعلم آخر فيقول : رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه : ١١٤] ، فإذا حصل له ما يستعده يستعد لآخر أيضا فيقول : (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) وهكذا إلى ما لا يتناهى.

    ولهذا قال قدس‌سره : (المعرفة علم ألي ، وكشف كلّي) أي : المعرفة المذكورة علم أليّ أي : إلهي من تجلّي الحق تعالى ولا نهاية للتجلّي فلا نهاية للعلم ، وأيضا المعرفة كشف كلّي لا كشف فوقه ؛ لأنه لا كشف فوق كشف العرفان ، وقد مرّ بحث الكشف تفصيلا وتوضيحا ثم عرّف الشيخ بغير ما عرّفه به سابقا اعتناء بشأنه ، وتنهيضا للسالك الطالب القاصد للمسلك التام.

    (١) قال الحكيم الترمذي : في تفاوت المعرفة والإيمان والتوحيد وما يشبه ذلك.

    المعرفة إذا عرف الله بقلبه واطمأن إليه فاستقر قلبه ، فهي معرفة ، ومبدؤها من الله ـ تبارك اسمه والموحّدون استوجبوا اسم العارف ، إلا أنهم تفاوتوا في تصديقه بالعمل والخدمة ، فأكثر وفاء بها أوفرهم حظّا منها ، وأخلصهم في ذلك أصدقهم.

    وأمّا كمال المعرفة ، فإذا زالت المعرفة لم يبق معه شيء والخائف علي نفسه محمود ؛ لأن النفاق عزل الإيمان.

    ورد : «والغيلان سحرة الجن» ، فكما أن الغيلان يسحرون الآدميين حتى يضلوهم عن الطريق في المفاوز ، فكذلك النفاق يدخل من حيث بصائر الهدى حتى يضله ، والسرور للمذنب والمطيع غرور ؛ لأن المذنب لم ينكشف له الغطاء عن حكم الله عزوجل فيه ، والمطيع لم ينكشف له عاقبته ، فالسرور علي ماذا؟ هذا علي الأغلب ، وقد يكون أن يعتريه في بعض الحالات ما يرى من تدبير الله فيسرّ به ، وإن