نعم ، يشكل كون الاستصحاب من المسائل الفرعيّة : بأنّ إجراءها في موردها ـ أعني : صورة الشكّ في بقاء الحكم الشرعيّ السابق ، كنجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره ـ مختصّ بالمجتهد وليس وظيفة للمقلّد ، فهي ممّا يحتاج إليه المجتهد فقط ولا ينفع للمقلّد ، وهذا من خواصّ المسألة الاصوليّة (٢٠٣٣) ؛ فإنّ المسائل الاصوليّة لما مهّدت للاجتهاد واستنباط الأحكام من الأدلّة اختصّ التكلّم فيها بالمستنبط ، ولا حظّ لغيره فيها.
______________________________________________________
٢٠٣٣. قد ظهر الوجه فيه عند شرح قوله : «أمّا على القول بكونه من المسائل الاصوليّة ...». ولكن للنظر فيه مجال واسع ، لأنّي لا أعرف فرقا بين قاعدة الاستصحاب وسائر القواعد الفقهيّة التي يستنبط منها الأحكام الكلّية ، كقاعدة الضرر والحرج والسلطنة والطهارة وغيرها ، إذ لا ريب في اختصاص العمل بها بالمجتهد ، ولا حظّ للمقلّد فيها أيضا. مضافا إلى إمكان دعوى اختصاص العمل بالاستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعيّة بالمجتهد ، مع تصريح المصنّف رحمهالله في آخر كلامه بكون الاستصحاب الجاري فيها من المسائل الفقهيّة ، لأنّ تمييز موارد جريانه ـ من جهة إحراز بقاء الموضوع ، ومعرفة موارد تعارضه ، والحاكم والمحكوم منهما ، وما يجب العمل فيه بكلّ منهما ، وما يحكم فيه بالتعارض ـ من الامور المشكلة لمن لم يعط ملكة قدسيّة ، فكيف يطلق القول بجواز عمل المقلّد بالاستصحاب في الشبهات الموضوعيّة بالتقليد. اللهمّ إلّا أن يفرض المقلّد ممّن حصّل حظّا من العلم يتمكّن معه من معرفة ذلك كلّه ، وكان تمييزه للموارد مطابقا لاعتقاد مجتهده. وهو كما ترى إن وجد ففي غاية الندرة ، بل وإن فرض وجوده كان مثله مجتهدا غالبا يحرم تقليده لغيره.
قال المصنّف رحمهالله في آخر هذه المسألة بعد بيان تعارض الاستصحابين وأقسامه وأحكامه : «فعليك بالتأمّل في موارد اجتماع يقينين سابقين مع العلم الإجمالي ـ من عقل أو شرع أو غيرهما ـ بارتفاع أحدهما وبقاء الآخر. والعلماء وإن كان