.................................................................................................
______________________________________________________
وبعد استقرار بنائهم على الاحتياط بحسب الإمكان في المقام فلا جدوى لرجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في التكليف دون المكلّف به.
ومن هنا يظهر وجه الفرق بين ما نحن فيه ممّا كانت الشبهة وجوبيّة وبين الشبهة المحصورة ، حيث قد عرفت أنّ المشهور هنا ـ بل ظاهر الفقهاء ـ هو وجوب الاحتياط بحسب الإمكان مطلقا. وقد فصّل في الشبهة المحصورة بين ما كان تعذّر بعض أطراف الشبهة سابقا على العلم الإجمالي وبين ما كان لا حقا به ، بالقول بعدم وجوب الاحتياط في الأوّل دون الثاني. وقد تقدّم اختيار المصنّف رحمهالله له في التنبيه الخامس من تنبيهات الشبهة المحصورة. وقد يفرّق بينهما بكون أمر الوجوب عندهم أهمّ من الحرمة. وقد تقدّم وجه التفصيل المذكور في الشبهة المحصورة هناك ، وبتذكّر ما ذكره هناك وذكرناه هنا تقدر على استفادة ما أهملنا ذكره هنا ، فتدبّر. وستعرف زيادة توضيح لذلك في القسم الثالث.
وممّا ذكرناه يظهر الكلام في القسم الثاني أيضا. وظاهر المصنّف رحمهالله تحقّق بناء العقلاء على الاحتياط بحسب الإمكان هنا دون سابقه ، ولذا تمسّك بأصالة البراءة في الأوّل دون الثاني. ولعلّ السرّ فيه أنّ الرخصة في البعض غير المعيّن يفهم منها عرفا جعل الباقي بدلا من المكلّف به الواقعي ، وفي البعض المعيّن يفهم رفع اليد عن الواقع ، ومع الشكّ يرجع إلى أصالة البراءة. فالفارق إمّا هو العرف مطلقا أو بضميمة الأصل. والعمدة في أمثال المقام ثبوت بناء العقلاء على وجه يكشف عن ثبوت ما بنوا عليه في الواقع أو عن تقرير المعصوم عليهالسلام، كما هو مناط اعتباره ، فافهم.
وأمّا القسم الثالث فيمكن القول فيه بعدم وجوب الاحتياط بالإتيان بجميع ما عدا المرخّص فيه ، بل بجواز المخالفة القطعيّة ، إلّا أن يدّعى بناء العقلاء مطلقا أو الإجماع في بعض الموارد على عدم جوازها كما تقدّم ، لأنّ رخصة الشارع في ترك بعض المقدّمات العلميّة لا يجتمع مع إرادته للواقع من المكلّف ، فهو دليل عدم مطلوبيّة