.................................................................................................
______________________________________________________
فإن كان ذلك بالنسبة إلى شخص واحد فلا إشكال في تقديم الحكم الذي يستلزم ضررا أقلّ ممّا يستلزمه الحكم الآخر ، لأنّ هذا هو مقتضى نفي الحكم الضرري عن العباد ، فإنّ من لا يرضى بتضرّر عبده لا يختار له إلّا أقلّ الضررين عند عدم المناص عنهما» انتهى.
وأقول : إنّ الضررين المتوجّه أحدهما إلى العبد على وجه الدوران لا يخلوان : إمّا أن يتساويا بحسب المرتبة والاعتقاد ، بأن كانا ماليّين أو عرضيّين أو نفسيّين ، ويكونا مظنونين أو مقطوعين. وإمّا أن يكون أحدهما راجحا بحسب المرتبة والاعتقاد ، والآخر مرجوحا كذلك. وإمّا أن يكون أحدهما راجحا بحسب المرتبة ومساويا للآخر بحسب الاعتقاد ، وإمّا بالعكس. وإمّا أن يكون لكلّ منهما جهة رجحان ، بأن كان أحدهما راجحا بحسب المرتبة ، والآخر بحسب الاعتقاد. وهذه أقسام خمسة.
أمّا الأوّل منها فلا إشكال في تخيّر المكلّف في أخذ أحدهما ودفع الآخر مع تساويهما في الكميّة. وأمّا مع اختلافهما فيها فيدخلان في صورة رجحان أحدهما.
وأمّا الثاني والثالث والرابع فيدفع الضرر الراجح فيها ، ويؤخذ بالمرجوح مع تساويهما في الكميّة. وأمّا مع اختلافهما فيها ، بمعنى كون المرجوح أكثر مقدارا من الراجح ، فهو يدخل في القسم الخامس ، أعني : صورة رجحان كلّ منهما من جهة. وليعلم أنّ هذا القسم يختلف بحسب الأشخاص ، إذ ربّ شخص يتحمّل الضرر المالي وإن كان كثيرا دون العرضي وإن كان قليلا ، والضرر العرضي المقطوع به أولى من المالي المظنون في الجملة ، فلا بدّ من ملاحظة الأشخاص ودفع الراجح بحسب حالهم.
هذا كلّه فيما كان الضرران دنيويّين. وإن كان أحدهما دنيويّا والآخر اخرويّا ، كما في الزكاة والخمس والجهاد ، فلا يخلو : إمّا أن يقوم على الاخروي دليل قطعي أو ظنّي معتبر ، فيقدّم على الدنيوي ، لأنّ الضرر الاخروي قليله أشدّ