الثالث : الأخبار الدالّة على حلّية كلّ ما لم يعلم حرمته ؛ فإنّها بظاهرها وإن عمّت الشبهة المحصورة إلّا أنّ مقتضى الجمع بينها وبين ما دلّ على وجوب الاجتناب بقول مطلق هو حمل أخبار الرخصة على غير المحصور وحمل أخبار المنع على المحصور.
وفيه أوّلا : أنّ المستند في وجوب (١٥٦٦) الاجتناب في المحصور هو اقتضاء دليل نفس الحرام المشتبه لذلك بضميمة حكم العقل ، وقد تقدّم بما لا مزيد عليه أنّ أخبار حلّ الشبهة لا تشمل صورة العلم الإجمالي بالحرام. وثانيا : لو سلّمنا شمولها لصورة العلم الإجمالي حتّى تشمل الشبهة الغير المحصورة ، لكنّها تشمل المحصورة أيضا ، وأخبار وجوب الاجتناب مختصّة بغير الشبهة الابتدائيّة إجماعا (١٥٦٧) ، فهي على عمومها للشبهة الغير المحصورة ايضا أخصّ مطلقا من أخبار الرخصة.
______________________________________________________
فيها ، وكون عدم الوجوب فيها مستندا إلى عدم الابتلاء ، فهو تحكّم بحت ، إذ لا منافاة في استناد عدم وجوب الاجتناب في غير المحصور إلى أمرين : أحدهما : عدم تحقّق الابتلاء في كثير من موارده ، والآخر : لزوم العسر الغالبي في موارده ، فإنّه إذا فرض هنا امور غير محصورة يلزم من الاحتياط فيها العسر على الأغلب ، وكان بعضها خارجا من محلّ الابتلاء ، ثمّ حصل العلم الإجمالي بحرمة بعضها ، فعدم تأثير العلم حينئذ في تنجّز التكليف بالواقع كما يمكن أن يستند إلى خروج بعض أطراف العلم الإجمالي من محلّ الابتلاء ، كذلك يمكن أن يستند إلى لزوم العسر الغالبي.
١٥٦٦. يعني : أنّ العمدة في ذلك ، وإلّا فقد تمسّك المصنّف رحمهالله بالأخبار أيضا. ويحتمل أن يكون الوجه في تخصيص المستند بالعقل رجوع مؤدّاها إليه ، وهو وجوب الاحتياط من باب المقدّمة وعلى تقدير كون المستند فيه الأخبار يتمّ الجواب أيضا ، كما هو واضح. وعلى كلّ تقدير ، فمحصّل الجواب أنّ المستند في وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة هو العقل ، وهو مشترك بينها وبين غير المحصورة ، وأخبار الحلّ لا تشتمل شيئا منهما.
١٥٦٧. لا تضرّ هنا مخالفة الأخباريّين في مسألة البراءة إن قلنا بقدح مخالفتهم