البراءة المتقدّمة ـ وهي جميع آيات الكتاب والعقل وأكثر السنّة وبعض تقريرات الإجماع ـ عدم استحقاق العقاب على مخالفة الحكم الذي لا يعلمه المكلّف ، ومن المعلوم أنّ هذا من مستقلّات العقل الذي لا يدلّ أخبار التوقّف ولا غيرها من الأدلّة النقليّة على خلافه ، وإنّما يثبت أخبار التوقّف ـ بعد الاعتراف بتماميّتها على ما هو المفروض ـ تكليفا ظاهريّا بوجوب الكفّ وترك المضيّ عند الشبهة ، والأدلّة المذكورة لا تنفي هذا المطلب ، فتلك الأدلّة بالنسبة إلى هذه الأخبار من قبيل الأصل بالنسبة إلى الدليل ، فلا معنى لأخذ الترجيح بينهما. وما يبقى من السنّة من قبيل قوله عليهالسلام : «كلّ شيء مطلق» لا يكافئ أخبار التوقّف ؛ لكونها أكثر وأصحّ سندا. وأمّا قوّة الدلالة في أخبار البراءة فلم يعلم ، وظهر أنّ الكتاب والعقل لا ينافي وجوب التوقّف.
وأمّا ما ذكره من الرجوع إلى التخيير مع التكافؤ فيمكن للخصم منع التكافؤ ؛ لأنّ أخبار الاحتياط مخالفة للعامّة (١٢١٠) ؛ لاتّفاقهم ـ كما قيل ـ على البراءة ،
______________________________________________________
اختصاصها بالشبهة التحريميّة واضح. وأمّا اختصاصها بالشبهة الحكميّة فلأنّ ورود النهي في الشبهات الموضوعيّة مفروض ، والشبهة إنّما هي في موضوعه الخارج.
نعم ، يمكن أن يقال : إنّه إن أراد برجحان أخبار البراءة رجحانها بعد ملاحظة مجموع أخبار الطرفين ، ففيه : أنّه لا معنى لملاحظة السند بعد التواتر والقطع بالصدور من الطرفين. وإن أراد رجحانها بعد النقد وانتخاب ما هو واضح الدلالة منها ، ففيه : أنّ ما هو كذلك من أخبار البراءة ليس إلّا المرسلة المذكورة ، بخلاف أخبار التوقّف والاحتياط ، فإنّ الدالّ منها كثير ، وبعضها صحيح. مع أنّ دعوى اعتضاد أخبار البراءة بالكتاب والسنّة والعقل معارضة باعتضاد أخبار الاحتياط أيضا بها ، لاستدلال الأخباريّين بها أيضا.
١٢١٠. قلت : أخبار البراءة أيضا موافقة للشهرة المحقّقة ، وهي مقدّمة على سائر المرجّحات.