هذا كلّه ، مع ما علمت (٨٦٤) سابقا في ردّ الوجه الأوّل من إمكان منع جعل الشارع طريقا إلى الأحكام ، وإنّما اقتصر على الطرق المنجعلة عند العقلاء وهو العلم ثمّ على الظنّ الاطمئناني.
ثمّ إنّك حيث عرفت (٨٦٥) أنّ مآل هذا القول إلى أخذ نتيجة دليل الانسداد بالنسبة إلى المسائل الاصوليّة وهي حجّية الأمارات المحتملة للحجّية ، لا بالنسبة إلى نفس الفروع ، فاعلم أنّ في مقابله قولا آخر لغير واحد من مشايخنا المعاصرين قدسسرهم ، وهو عدم جريان دليل الانسداد على وجه يشمل مثل هذه المسألة الاصوليّة أعني حجّية الأمارات المحتملة ، وهذا هو القول الذي ذكرنا في أوّل التنبيه أنّه ذهب إليه فريق. وسيأتي الكلام فيه عند التكلّم في حجّية الظنّ المتعلق بالمسائل الاصوليّة إن شاء الله تعالى.
ثمّ اعلم أنّ بعض من لا خبرة له ـ لمّا لم يفهم من دليل الانسداد إلّا ما تلقّن من لسان بعض مشايخه وظاهر عبارة كتاب القوانين ـ ردّ القول الذي ذكرناه أوّلا عن بعض المعاصرين : من حجّية الظنّ في الطريق لا في نفس الأحكام بمخالفته لإجماع العلماء ؛ حيث زعم أنّهم بين من يعمّم دليل الانسداد لجميع المسائل العلميّة ـ
______________________________________________________
٨٦٤. لا يقال : إنّ الوجه الثاني ليس مبنيّا على جعل الطريق من قبل الشارع ، إذ يكفيه ثبوت المعنى الأعمّ من الجعل والإمضاء ، إذ بعد كون مبنى الاستدلال على كون مناط حكم العقل في الامتثال حصول الظنّ بالبراءة ، فللمستدلّ أن يقول إنّ الظنّ بها إنّما يحصل بالعمل بالطريق الذي ظنّ كونه مجعولا أو ممضى عند الشارع لا بمجرّد الظنّ بالواقع.
لأنّا نقول : قد أوضحنا عند شرح ما أورده على الوجه الأوّل أنّ مقتضى كون امتثال الأحكام الشرعيّة موكولا إلى طريقة العقلاء هو إعمال الظنّ في تعيين الواقع عند تعذّر العلم أو الوثوق به ، فراجع.
٨٦٥. لا يخفى أنّ حقّ العبارة أن يقال : وأمّا الطائفة الثانية فسيأتي الكلام فيما ذهبوا إليه عند التكلم ... إلى آخر ما ذكره.