.................................................................................................
______________________________________________________
وتوضيح المقام أنّك قد عرفت عند بيان المخالفة العمليّة للخطاب التفصيلي أنّ المراد من الخطاب التفصيلي أعمّ ممّا كان الخطاب مبيّنا بحسب موضوعه ومحموله ومتعلّقاتهما ، بحيث ينحصر فرض الاشتباه فيه في مصاديق موضوعه أو محموله أو متعلّقاتهما ، ومن ورود خطابين متعلّقين بموضوعين متغايرين ، ولكن كان بين متعلّقيهما جامع قريب يتضمّنه خطاب ثالث في الكتاب والسنّة كالقصر والإتمام ، لأنّ خطاب المسافر وإن كان مغايرا لخطاب الحاضر ، إلّا أنّ الخطاب بالصلاة في الكتاب والسنّة جامع بينهما ، فمخالفة خطابي القصر والإتمام مخالفة لهذا الخطاب التفصيلي.
ثم إنّ مخالفة الشارع تارة بمخالفة الخطاب التفصيلي المذكور بمعنييه ، واخرى بمخالفة خطاب مجمل مردّد بين خطابين ، وثالثة بمخالفة العلم التفصيلي وإن لم يكن هنا خطاب تفصيلي. ومثال الأوّلين واضح.
وأمّا الثالث فكحرمة نظر الخنثى إلى أحد الفريقين ، لأنّه بعد ضمّ قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) إلى قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) يحصل علم تفصيلي بحرمة النظر إلى البالغ غير المماثل. وإن وقع الاشتباه في مصداق هذا التكليف المفصّل بالنسبة إلى الخنثى ، فنظرها إلى الفريقين مخالفة لهذا التكليف المعلوم تفصيلا. واعتبار كون ذلك من قبيل اشتباه الخطاب وتردّده بين خطابين وإن كان صحيحا نظرا إلى توجّه أحد الخطابين إليهما ، إلّا أنّه لا اعتبار بإجمال الخطاب مع العلم التفصيلي كما أفاده المصنّف رحمهالله. ويظهر أثر الأمرين في تأتّي الوجوه الأربعة التي تقدّم في كلام المصنّف رحمهالله في مخالفة الخطاب المردّد بين خطابين وعدمه ، لأنّه مع عدم الاعتداد بإجمال الخطاب ، وجعل المناط في الإطاعة والمخالفة هو العلم التفصيلي ، تكون المخالفة في المقام في حكم مخالفة خطاب تفصيلي في عدم الجواز بوجه واحد ، بخلاف ما لو جعل المناط فيهما هو الخطاب المجمل المردّد بين خطابين ، فيتأتّى في المقام حينئذ الوجوه الأربعة المذكورة ، وإن كان أقواها حرمة المخالفة مطلقا أيضا.