الضعف ، والاسم عليه من القوّة وصيرورة الحرف حينئذ نائبا عن الفعل إشعار بأنّ العبد الضعيف إذا تحقّق في مقام النداء والدعاء حتّى صار كأنّه كلمة نداء بفنائه عن صفات نفسه وصيرورته محض الاقبال والتوجّه ، يحصل له الفة بالحقّ سبحانه وصلاحيّة لحضرة الربّ وقرب إليه ، وكان في ذلك المقام العالي نائبا عن مقام الفعل الالهي ، وصار مظهرا لافاعيله.
فلا بعد في صدور خوارق العادات والكرامات حينئذ من صاحب هذا المقام ، كما أنّ لما سواه من مراتب الداعين والمتضرعين الفة واختصاص على حسب كمال المعنى فيهم وضعفه ، ولهم نصيب من مقام الفعل باعتبار تأثير دعائهم المستجاب في تغيير الكائنات وانعدام الموجود وحدوث المعدوم.
ثمّ إنّ «أيّ» وصلة إلى نداء ما فيه الالف واللّام ، وهو اسم مبهم يفتقر إلى ما يوضحه ويزيل إبهامه ، فلا بدّ أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه وصفا له حتّى يتّضح المقصود بالنداء.
و «ها» حرف تنبيه ، وفي هذا التدرج من الابهام إلى التوضيح. وكلمة التنبيه المقحمة بين الصفة والموصوف الّذي هو والنداء من واد واحد ضروب من التأكيد والتشديد. ولعلّه لأجلها كثر في كتاب الله سبحانه النداء على هذه الطريقة ، إما لبعدهم عن مقام النداء بالبيان المتقدّم ، فلزم التأكيد فيه ، أو لأنّ ما نادى الله سبحانه عباده من التكاليف والعظات والوعد والوعيد والقصص المتلوّة عليهم وغير ذلك ممّا ورد في الكتاب الكريم أمور عظام وخطوب جسام ، عليهم أن يتيقّظوا لها كمال التيقظ ، ويصرفوا قلوبهم وبصائرهم إليها كمال الصرف ، فكأنّ التأكيد هو المقتضي للحال.