فيه حقيقة لغويّة وإن كان أصله مأخوذا من غيره ، وتعديته بالباء لتضمينه معنى أقرّ واعترف. وربّما يمكن إطلاق ما آمنت على معنى ما وثقت ، وحقيقته صرت ذا أمن به ، أي : ذا سكون وطمأنينة ، كذا ذكروه.
وقد سبق أنّ الشكّ موجب لقلق النفس واضطرابه ، واليقين باعث لسكونه فيمكن كون الايمان بمعنى التصديق باعتبار أنّه سكن نفسه وصيّره ذا طمأنينة وأمن من طرف المؤمن به ، فارتفع به القلق والاضطراب عن النفس ، كما يؤيّده إطلاق الريب على الشك كما قدمنا. ويوافقه المعنى الاخير إلا في التعدية واللزوم بل يصحّ جعله متعدّيا ؛ إذ الاصل فيه حكاية أبي زيد عن العرب : ما آمنت أن أجد صحابة ؛ أي : أصحابا أسافر معهم ، ويصحّ أن يؤخد متعدّيا إلى المفعولين بمعنى : إنّي ما آمنت نفسي من طرف وجدان الصحابة من دون حاجة إلى إرجاع باب الافعال إلى صيرورته ذا أمن.
وحينئذ فالايمان الدالّ على الامن مقابل الريب الّذي هو قلق النفس واضطرابها في إطلاقهما على التصديق والشكّ الشائعين على معناهما الاصليّ.
وربّما يؤيّد ما ذكرنا ما نقل من حديث «رفاعة» :
«أتدري يا رفاعة لم سمّي المؤمن مؤمنا؟ قال : لا أدري ، قال : لأنّه يؤمن على الله فيجيز أمانه.» (١)
__________________
(١) لم نعثر عليه بهذا الاسناد ، ولكن نقله الصدوق (ره) في العلل ، ج ٢ ، باب ٣٠٠ ص ٥٢٣ ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ ؛ والبرقي (ره) في المحاسن ، باب ٥٦ من كتاب الصفوة والنور والرحمة ، ص ١٨٥ ، ح ١٩٣ ، عن أبي جعفر ـ عليهالسلام ـ ؛ وكتاب العلل ، ص ٣٢٩ ، عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ ؛ والطوسي (ره) في الامالي ، ج ١ ، ص ٤٦ ، عنه ـ عليهالسلام ـ ؛ والمجلسي (ره) في البحار ، ج ٦٧ ، باب فضل الايمان وجمل شرائطه ، عن مشكاة الانوار وقضاء الحقوق عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ.