الحكاية غير ما هو
محكي. والذي يقوله" أبو هاشم" وأصحابه و" الجعفران" من قبل
ومذهب" أبي القاسم" و" الإخشيديّة" أنّ الحكاية غير المحكي ،
لمّا كان الكلام عندهم من قبيل الأصوات وهي لا تبقى. فلم يكن بدّ من القول بذلك.
ومع ذلك فقد ثبتوا على ما دلّ عليه الإجماع من قول المسلمين إن هذا هو كلام الله
تعالى على الحقيقة ، لأنّ العرف قد جرى بمثل ذلك في إضافة الكلام والشعر والخطبة
وغيرها إلى من بدأ بها أولا (ق ، ت ١ ، ٣٤١ ، ٧)
ـ أمّا" أبو
الهذيل" و" أبو علي" فقالا إنّ الحكاية عين المحكي لقولهما بأن
الكلام باق وأنّه معنى غير الصوت. وأدّى" أبا علي" قوله إنّه لو لم يكن
الأمر كذلك لقدر أحدنا على الإتيان بمثله إلى أن يقال : إنّ مع الحفظ كلاما ومع
المكتوب كلام. فأجاز وجود الكلام وهو شيء واحد بمعان في محال ، فأجراه مجرى الجوهر
من وجه وخالف بينه وبين الجوهر ، من حيث أنّ الجوهر لا يصحّ أن يكون في الوقت
الواحد في جهات ، وصحّ عنده أن يكون الكلام في وقت واحد في محال لمّا كانت الأمور
التي بها تصير كذلك لا يتضادّ ، وما به يصير الجوهر في الجهات يتضادّ ولم يجوز عدم
الكلام إلّا بعد عدم كل الأصوات وكل الكتابات وكل الحفظ. وأجزى هو من ذهب مذهبه كل
الكلام على هذا الحدّ إلا" الإسكافي" فإنه رأى أنّ الذي دعا إلى ذلك هو
متابعة المسلمين على قولهم إنّ هذا كلام الله ، وظنّ أنّه لا يتمّ إلّا بأن يبقى.
فقال فيه بمثل ما حكيناه من أنّ الحكاية هي المحكي (ق ، ت ١ ، ٣٤١ ، ١٢)
ـ اعلم أنّ هذه
المقدّمة تقتضي أن نبيّن القول في الحكاية والمحكي ، وأنّ ما نسمعه من القرآن هو
نفس كلام الله تعالى الذي أوجده ابتداء أو هو غير ذلك. وإنّما سمّيناه كلاما له في
الحقيقة للعرف الحاصل فيه وفي أمثاله ، وقد كثر الخلاف في هذا الباب. فالذي كان
يقوله أبو الهذيل العلاف وأبو علي أنّ الحكاية هي المحكي ، لأنّهما جعلا الكلام
معنى باقيا غير الصوت ، وجعلا المراد بالقراءة الصوت وبالمقروء الحرف الباقي
فأثبتوا أحدهما غير الآخر ، وجعلوا الحكاية والمحكي سواء ، وقالوا بأنّ هذا
المسموع نفس ما أوجده الله تعالى. وأثبت أبو علي الكلام موجودا في المحلّ بغيره ،
كما أوجب وجود الجوهر في جهة بغيره فقال : إذا كان متلوّا وجد مع الصوت ، وإذا كان
محفوظا فمع الحفظ ، وإذا كان مكتوبا فمع الكتابة ، فأثبت مع الحفظ والكتابة كلاما
كما أثبته مع التلاوة (أ ، ت ، ٤١٦ ، ٨)
ـ الذي يقوله
شيخنا أبو هاشم أنّ الحكاية غير المحكي ، ولا يقول بأنّ القراءة غير المقروء لأنّ
المرجع بهما هو إلى الصوت المخصوص ، كما أنّ الكتابة والمكتوب واحد ، إلّا أن يراد
دلالتها على المعاني ، وهذا مذهب الجعفرين ومذهب أبي القاسم وابن الإخشيد ، وهكذا
يجب أن يقول به كل من ذهب إلى أنّ الكلام لا يبقى وأنّه راجع إلى الأصوات المخصوصة
على ما تقدّم (أ ، ت ، ٤١٧ ، ١٨)
ـ أمّا الدلالة
على أنّ الحكاية غير المحكيّ ، فهو أنّ الكلام قد ثبت أنّه من جملة الأصوات وأنّ
البقاء لا يصحّ عليه. فكذلك الكلام إذا لم يبق