ـ اعلم أنّ الحسن يفارق القبيح فيما له يحسن ، لأنّ القبيح يقبح لوجوه معقولة ، متى ثبتت اقتضت قبحه ، والحسن يحسن متى انتفت هذه الوجوه كلها عنه ، وحصل له حال زائدة على مجرّد الوجود يخرج بها من أن يكون في حكم المعدوم. ولذلك لا يصحّ عندنا أن نعلم الحسن حسنا إلّا مع العلم بانتفاء وجوه القبح عنه. ومتى ثبت كونه حسنا ، فإنّما يحصل ندبا لحال زائدة ، وواجبا لحال زائدة. ولا يصحّ أن يكون ما له قبح القبيح جنسه ولا وجوده أو حدوثه ، ولا وجود معنى نحو الإرادة وغيرها ولا انتفاء معنى (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٩ ، ١)
ـ اعلم أنّ أكثر كلام الشيخين رحمهماالله في كتبهما يدلّ على أنّ الحسن يحسن لوجوه يحصل عليها ، كما أنّ القبيح يقبح لذلك. وربما قالا : إنّ وجه الحسن والقبح إذا اجتمعا في الفعل فالقبح أولى به (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٠ ، ٥)
ـ ذكر شيخنا أبو هاشم رحمهالله في بعض المواضع ما يدلّ على أنّ الحسن يحسن لوقوعه على وجه ، ولانتفاء وجوه القبح عنه ، ولم يبسط القول فيه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧١ ، ١٢)
ـ إنّ الفعل لا يحسن ولا يقبح لجنسه أو وجوده أو حدوثه أو انتفاء معنى غيره. اعلم أنّ الظلم لو قبح لجنسه ، لوجب أن يقبح كل ضرر وألم ، وفي علمنا بأنّ فيه ما يحسن دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٧ ، ٢)
ـ أمّا الحسن فإنّه يستحقّ به المدح إذا كان على صفة نحو أن يكون إحسانا إلى الغير ، أو مؤدّيا إلى نفعه ، أو تمكينا له من الوصول إلى نفع مخصوص ، أو أن يكون مما فيه صلاح فيما كلّفه مسهّلا له ؛ وهذا نحو النوافل التي يفيدنا بها. وقد يستحقّ المدح على ما يجب إيصاله إلى الغير من النفع ، كالثواب واللطف وغيره ، وعلى ما يلزمنا فعله من الواجبات على اختلافها في وجوه وجوبها. فكل ذلك مما يستحقّ بفعله المدح ، وإن كان لا يستحقّ به ذلك دون أن يفعله الفاعل على وجه مخصوص. ومتى فعله لشهوة أو لغرض ، سوى ما له وجب أو حسن في العقل ، لم يستحقّ به مدحا (ق ، غ ٨ ، ١٧٥ ، ٩)
ـ في بيان وجه حسن ابتداء الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأيّام وما يتّصل بذلك : اعلم أنّ ذلك إنّما يحسن منه تعالى على وجوه ثلاثة : أحدها لينفعه ، والآخر لينفع به ، والثالث لأنّه أراده لخلق ما ذكرناه ، مع تعرّي الكلّ من وجوه القبح. وقد دخل فيما ذكرناه ما يخلقه تعالى لينفعه ولينفع به جميعا ؛ لأنّ الشيء إذا حسن لكل واحد من الوجهين فبأن يحسن متى حصلا فيه أولى. ولم يذكر في ذلك خلق من يخلقه ليفعل به المستحقّ ، لأنّ ذلك لا يحسن أولا ، وإنّما يحسن أن يخلقه لهذه البغية ثانيا. فإذا حسن أن يخلق تعالى الخلق لينفعه تفضّلا ، ويعرّضه للثواب والمدح ، وينفعه بالتعويض على الآلام حسن منه أن يخلق غير المكلّف للتفضّل والتعويض جميعا. وقد بيّنا أنّ المنافع على ضربين : مستحقّ وغير مستحقّ ، وأنّ المستحقّ منه قد يكون مستحقّا على وجه التعظيم والإكرام فيكون ثوابا ، وقد يكون مستحقّا على وجه العوض والبدل ، وبيّنا لكل واحد منهما مثالا في الشاهد ، وبيّنا أنّ ما ليس بمستحقّ يكون إحسانا وتفضّلا ، وبيّنا أنّ ما أدّى إلى المنافع يكون في حكمه ، وإن كان شاقّا على فاعله ، وإنّما يحسن متى أدّى إلى نفع يوفي عليه ، ومتى لم يشقّ على فاعله البتّة فإنّه