<٦> استيناف تقديرىّ
أما علمت : ما يقرّر قول شيخ الفلسفة فى الإسلام : إنّ المنتقل يعقل نقلة متصلة على مسافة متصلة يطابقها زمان متصل. فالمنتقل نهاية لنفسه من حيث انتقل ، كأنّه شيء ممتدّ من مبدأ المسافة إلى حيث وصل ؛ فإنّه من حيث هو ينتقل شيء ممتدّ من المبدأ إلى المنتهى وذاته الموجودة المتصلة حدّ ونهاية لذاته من حيث قد انتقل إلى هذا الحدّ.
فحريّ بنا أن ننظر : هل كما أنّ المنتقل ذاته واحدة وبسيلانه فعل ما هو حدّه ونهايته ، فكذلك فى الزّمان ، فأيضا شيء هو الآن ، فيكون ذاتا غير منقسمة من حيث هى هو ، وهو بعينه باق من حيث ذلك ، وليس باقيا من حيث هو الآن ؛ لأنّه إنّما يكون أنا إذا اخذ مجدّدا للزّمان.
كما أنّ ذلك إنّما يكون منتقلا إذا كان محدّدا لما يحدّده ويكون فى نفسه نقطة أو شيئا آخر. وكما أنّ المنتقل يعرض له من حيث هو منتقل أنّه لا يمكن أن يوجد مرتين ، بل هو يفوت بفوات انتقاله ، كذلك الآن من حيث هو لا يوجد مرّتين. لكن الشّيء الّذي لأمر ما صار آنا عسى أن يوجد مرارا ، كما أنّ المنتقل من حيث هو أمر يعرض له الانتقال عسى أن يوجد مرارا. فإن كان شيء مثل هذا موجودا ، فيكون حقّا ما يقال : إنّ الآن يفعل بسيلانه الزّمان ولا يكون (١٤٨) هذا هو الآن الّذي يفرض بين زمانين يصل بينهما. كما أنّ النّقطة الفاعلة بحركتها مسافة هى غير النّقطة المتوهّمة فيها. فإن كان هذا الآن له وجود فهو وجود الشّيء مقرونا بالمعنى الّذي حقّقنا أنّه حركة من غير أحد متقدّم ولا متأخّر ولا تطبيق.
وكما أنّ كون الشّيء ذا أين إذا استمرّ سائلا فى المسافة أحدث الحركة ؛ فكذلك كونه ذا هذا المعنى الّذي سمّيناه الآن إذا استمرّ سائلا فى متقدّم الحركة ومتأخّرها أحدث الزّمان.
فنسبة هذا الشّيء إلى المتقدّم والمتأخّر هى كونه آنا ، وهو فى نفسه شيء يفعل