بالحقيقة. وسيأتيك جليّة : أنّ علّة كلّ جسم أمر عقلىّ بالضّرورة.
فالبنّاء ليس هو علّة للبيت ، بل هو سبب لتحريك أجزاء البيت إلى أوضاع مختلفة تحصل منها صورة البيت ، وانتهاء تلك الحركة علّة لاجتماع تلك الأجزاء ، والاجتماع علّة لشكل ما ، وحافظ تلك الأجزاء على ذلك الشّكل طبائعها الّتي تحفظ بها تلك الأجزاء أمكنتها. وأيضا ، الموانع الّتي تمنع الأجزاء عن الحركة إلى أماكنها الطبيعيّة ، كالأعمدة والأساطين والحيطان الممسكة للسّقوف.
فإذن ، كلّ علّة مع معلولها ؛ لأنّ البنّاء علّة للحركة. فإذا فقد البنّاء من حيث هو بنّاء ومحرّك فقدت الحركة ، وفقدان الحركة نفس انتهائها ، وانتهاؤها علّة لاجتماع الأجزاء ، واجتماعها على وضع ما علّة لأن يحفظ طائفة من الأجزاء أماكنها الطبيعيّة ، وطائفة تكفّ عن طائفة الزّوال عن أماكنها الاتفاقيّة ، كاللّبن الأوّل فى مكانه الطبيعىّ ، فإنّه يمنع اللّبن الآخر أن يزول عن موضعه الّذي قد اتفق فيه. فإذن ، يتعاون الكلّ على الثّبات ، والبنّاء علّة بالعرض.
وكذلك الأب الممنى علّة بالعرض للابن ؛ إذ هو علّة لتحريك المنىّ إلى القرار ، ثمّ يتحفّظ فى القرار بطبعه أو بمانع يمنعه عن السّيلان ، وهو انضمام فم الرّحم ، ثمّ قبوله للصّورة الإنسانيّة لذاته. وأمّا مفيد الصّوره فهو واهب الصّور.
وكذلك النّار علّة بالعرض لتسخين عنصر ما ، كالماء ، فإنّها ليست تفيد السّخونة ، بل إنّها تبطل البرودة الّتي كانت مانعة من حصول السّخونة فى الماء من تلقاء واهب الصّور ، ثمّ حدوث السّخونة واستحالة الماء إلى النّار فبالعلّة الّتي تكسر العناصر صورها. وأمّا العلل السّابقة فهى معدّات ومعينات على القبول ، وبالجملة علل بالعرض.
ثمّ إنّه ليتلى عليك من ذى عوض ـ إن شاء اللّه تعالى ـ أنّ جاعل الكلّ إبداعا وإحداثا وحفظا وإبقاء هو القيّوم الواجب بالذّات ـ تعالى كبرياؤه ـ وما سواه لا يحلّ أن يعدّ إلاّ من الشّروط والمعدّات والمصحّحات للمجعوليّة. فإذن قد جبّ عرق الغلط من اسّ منبته فى سائر الموادّ على الإطلاق.