نبّهنا ، من قبل ، على أنّ العلم الّذي هو بعينه هويّات الموجودات ووجوداتها ، إنّما معناه معلوميّتها ، أى : مجعوليّتها ، للجاعل الحقّ ، مكشوفة غير محجوبة.
وليس يصحّ أن يعنى به العالميّة الّتي هي من جهات ذات البارئ الجاعل وأسماء حقيقته المقدّسة وأنّه ، جلّ مجده ، يمتنع أن يصير بحالة ما زائدة على ذاته بعد مرتبة ذاته وأنّ علومه التفصيليّة ، حين وجود معلوماته الّتي معلولاته بالفعل ، أيضا علوم عقليّة فعليّة تامّة. إنّما ما به الانكشاف ومناطه [١١١ ظ] فيها هو نفس ذاته الحقّة ومبدئيّته بذاته لصدور نظام الوجود عنه على تراتيبه وتفاصيله.
وكون مناط انكشاف الشّيء العلم التّامّ بجاعله التّامّ بنفس ذاته ، والإحاطة بجميع أسبابه المتأدّية إليه ، أقوى في إفادة الظّهور من كون مناط الانكشاف وجوده وحضوره بمجرّد هويّته الموجودة ، لا بعلله وأسبابه التّامّة. فالأوّل يوجب العلم التّامّ بكنه الماهيّة والإنّيّة جميعا. والثّاني ربّما لا يفيد إلّا علما بالإنّيّة. وذلك إذا كانت الإنيّة الحاضرة بمجرّد هويّتها من الأشياء الّتي هي ذوات العلل وأولات الأسباب ، وأنّ علمه الفعلىّ التامّ بالموجودات من حيث الإحاطة بعللها وأسبابها ليس يزداد أو يشتدّ حين وجودها بالفعل أصلا ، على خلاف شاكلتنا في علومنا الفعليّة بأمور نصنعها ، فإنّا إنّما نعلمها علما فعليّا ناقصا ، لعدم إحاطتنا بأسبابها جميعا.
ثمّ إذا ما هي صنعت ووجدت ، ازددنا عالميّة بها ، لاستفادتنا من وجودها [بالفعل] معرفة جديدة انفعاليّة. وكذلك الأمر في إدراكاتنا وعلومنا الإجماليّة والتفصيليّة. ولو كنّا نحيط بالأسباب ونتقدّس عن الانفعال ، لكنّا لم نزدد بوجود المعلوم علما ، بل كان علمنا به ، قبل وجوده ومع وجوده ، على سبيل واحد.
فإذن ، قد انصرح أنّ وجود الحوادث المنكشفة عند بارئها إذا ما هي متقرّرة بالفعل من الأمور الملغاة في تصحيح الانكشاف ، وإنّما هو داخل في الشّيء المنكشف ، لا أنّه معتبر في ما هو مناط الانكشاف وملاك المعلوميّة.
فنسبة وجود المعلوم الموجود بالفعل إلى معلوميّته لبارئه ، بمعنى كونه ظاهرا له غير عازب عنه ، نسبة الجار إلى صاحب الدار. ونسبته إلى معلوميّته ، بمعنى مجعوليّته له وصدوره عنه بالفعل مكشوفا غير محجوب [١١١ ب] أحد اعتبارى