هو المتبادر من ظاهره ، إذ التأويل بلا اعتماد على نصّ قطعي يفقد النصوص هيبتها ، وإنّ المؤوّلة الذين يؤوّلون ظواهر الكتاب والسنّة ـ بحجّة أنّ ظواهرهما لا توافق العقل ـ مردودون في منطق الشرع ، إذ لا يوجد في الكتاب والسنّة الصحيحة ما ظاهره خلاف العقل ، وإنّما يتصورّونه ظاهراً ثمّ يحملونه على خلافه ، ليس مفاد الآية والمتبادر منها عند التدبّر.
هذا كلّه ممّا لا خلاف بين جمهور المسلمين فيه ، ولكن الذي يجب إلفات النظر إليه ، هو أنّ العقيدة الإسلامية المستقاة من الكتاب والسنّة تتّسم بالدقة والرصانة والسلامة من التعقيد والألغاز ، وهي تبدو جليَّة مطابقة للفطرة والعقل السليم للجماهير على كافة المستويات ، وتتصف بالصفاء والنقاء. فهذه سمة العقيدة الإسلامية ، وعلى ذلك فإبرازها بصورة التشبيه والتجسيم المأثورين من اليهودية والنصرانية ، أو بصورة التعقيد والألغاز ، لا يجتمع مع موقف الإسلام والقرآن في عرض العقائد على المجتمع الإسلامي ، فلا محيص لمن يعرض العقائد الإسلامية عن رعاية أمرين :
١ ـ التحرّز عن سمة التشبيه والتجسيم.
٢ ـ الاجتناب عن الجمود على اللفظ وجعل صفاته سبحانه ألفاظاً جوفاء ، أو معاني معقّدة لا يفهم منها شيء ، بحجّة أنّ البحث عن الكيف ممنوع.
إنّ إثبات الصفات له سبحانه لو انتهى إلى التكييف والتشبيه فهو كفر وزندقة ، لقوله سبحانه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ )ولا ينفع الفرار عنه بكلمة مبهمة ، أعني « الإمرار بلا كيف » كما هو المشاهد في كلمات أغلب المثبتين للصفات ، إذ هو أشبه بالإنكار بعد الإقرار ، ولا إنكار بعده.
فالإصرار على الإثبات تبعاً للنصوص ، والتهجّم على النفاة ، والذهاب في هذا السبيل إلى حدّ التجسيم ، غواية وضلالة ؛ والاعتماد في ذلك على كلمات السلف اعتمادعلى قول من ليس بمعصوم ولا حجّة ، والعقائد تعرض على القرآن والسنّة الصحيحة والعقل السليم الذي به عرف الله وثبت وجوده ، لا على قول السلف الذين لم يخلوا من طالح ، فحشد عبارات بعض السلف في مجال العقائد لا ينفع شيئاً.