إنّا لا نجعل الأمر والنهي دليلي الحسن والقبح ليرد ما ذكر ، بل نجعل الحسن عبارة عن كون الفعل متعلّق الأمر والمدح ، والقبح عبارة عن كونه متعلّق النهي والذم. (١)
يلاحظ عليه : أنّ البحث تارة يقع في التسمية والمصطلح ، فيصحّ أن يقال : إنّ ما وقع متعلّق الأمر والمدح حسن ، وما وقع متعلّق النهي والذم قبيح. والعلم بذلك لا يتوقّف إلاّ على سماعهما من الشرع. وأُخرى يقع في الوقوف على الحسن أو القبح الواقعيين عند الشرع ، فهذا ممّا لا يمكن استكشافه من مجرّد سماع تعلّق الأمر والنهي بشيء ، إذ من المحتمل أن يكون الشارع عابثاً في أمره ونهيه.
ولو قال إنّه ليس بعابث ، لا يثبت به نفي احتمال العابثية عن فعله وكلامه ، لاحتمال كونه هازلاً أو كاذباً في كلامه ، فلأجل ذلك يجب أن يكون بين الإدراكات العقلية شيء لا يتوقف درك حسنه وقبحه على شيء ، وأن يكون العقل مستقلاً في دركه ، وهو حسن الصدق وقبح الكذب حتى يستقل العقل بذلك ، على أنّ كلّ ما حكم به الشرع فهو صادق في قوله ، فيثبت عندئذ أنّ ما تعلّق به الأمر حسن شرعاً ، وما تعلّق به النهي قبيح شرعاً. وهذا ما يهدف إليه المحقّق الطوسي من أنّه لولا استقلال العقل في بعض الأفعال ما ثبت حسن ولا قبح بتاتاً.
الثاني : ما أشار إليه المحقّق الطوسي أيضاً بقوله : « ولجاز التعاكس في الحسن والقبح ». (٢)
توضيحه : أنّ الشارع على القول بشرعية الحسن والقبح يجوز له أن يحسّن ما قبّحه العقل أو يقبّح ما حسّنه.
وعلى هذا يلزم جواز تقبيح الإحسان وتحسين الإساءة وهو باطل بالضرورة. فإنّ وجدان كلّ إنسان يقضي بأنّه لا يصحّ أن يذم المحسن أو يمدح
ــــــــــــــــــ
١ ـ شرح التجريد للفاضل القوشجي : ٤٤٢.
٢ ـ كشف المراد : ١٨٦.