أو « عموم قدرته لكلّ شيء » وارادوا من « عموم القدرة » (١) أنّ كلّ موجود ، واقع بقدرته ابتداء ، وإن توقف تأثيره في البعض على شرط ، كتوقف إيجاده للعرض على إيجاده لمحله ، لامتناع قيامه بنفسه. (٢)
وعلى ذلك فالمراد من عموم قدرته هو المؤثر بالفعل من القدرة ، لا القدرة الشأنية ، وإن لم يستعملها ؛ فلو قيل : إنّ قدرته سبحانه عامة ، يراد أنّه هو الفاعل الخالق لكلّ شيء موجود في الخارج بلا واسطة.
ثانياً : اعتمدوا في إثبات المطلوب على الإمكان دون الحدوث ، وبين الملاكين فرق واضح لا يخفى على من له أدنى إلمام بالمسائل الكلامية.
يقول الرازي : إنّ ما لأجله صحّ في البعض أن يكون مقدوراً لله تعالى هو الإمكان ، لأنّ ما عداه إمّا الوجوب أو الامتناع ، وهما بخلاف المقدورية ، ولكن الإمكان وصف مشترك بين الممكنات ، فيكون الكلّ مشتركاً في صحّة مقدوريته لله تعالى ، ولو اختصت قادريته بالبعض دون البعض ، افتقر إلى المخصص. (٣)
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره صحيح ، ولكنّه عاجز عن إثبات ما رامه ، إذ لا شكّ أنّ جميع الموجودات الممكنة تنتهي إلى الواجب ، ولا غنى لأي ممكن في ذاته وفعله عنه سبحانه ، لكن فقر الممكنات وحاجتها إلى الواجب ، لا يستلزم أن يكون الواجب هو السبب المباشر لكلّ ما دقّ وجلّ ، ولكلّ حركة وسكون يعرضان على المادة. بل يكفي في رفع الحاجة إيجاد العوالم الإمكانية وفق نظام الأسباب والمسببات ، فكلّ وجود ، مسبب لما فوقه ، وسبب لما دونه. وبذلك يجري الفيض منه سبحانه على نمط الأسباب العالية إلى الأسباب المتوسطة ، إلى السافلة ، حتى ينتهي إلى عالم الهيولي والطبيعة ، فلكلّ حادث سبب ، ولسببه سبب حتى ينتهي إلى الواجب عزّ اسمه ؛ وسببية كلّ سبب وتأثير كلّ علّة
ــــــــــــــــــ
١ ـ وقد يراد من « عموم قدرته تعالى » ، قدرته على القبيح خلافاً للنظام حيث قال : بعدم قدرته عليه ، ولكن المراد منه في المقام هو الأوّل.
٢ ـ هامش شرح المواقف لعبد الحكيم السيالكوتي.
٣ ـ المحصل : ٢٩٨ ؛ شرح المواقف : ٨/٦٠ ؛ شرح المقاصد : ٢/١٣٧.