سورة آل عمران
وهي مدنية قد تقدم القول على (الم) في سورة البقرة.
٧ ـ و (مُحْكَماتٌ) أي : مبينات ظاهرات لا تحتاج إلى تأويل (١).
__________________
(١) قال الشريف الرضي في حقائق التأويل : في وصف الآيات المحكمات بأمّ الكتاب :
ومن سأل عن معنى قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)[آل عمران : ٧] ، فقال : كيف جمع سبحانه بين قوله : هُنَّ ، وهو ضمير لجمع ، وبين قوله : (أُمُّ الْكِتابِ) وهو اسم لواحد ، فجعل الواحد صفة للجمع ، وهذا فتّ في عضد البلاغة وثلم في جانب الفصاحة!.
فالجواب : أن المراد بذلك كون هذه الآيات باجتماعها وانضمام بعضها إلى بعض في إنزالها ، أمّا للكتاب ، وليست كل واحدة أمّا بانفرادها ؛ فلما كان الأمر على ما قلنا جاز وصف الجمع بالواحد ؛ إذ كان في تعلق بعضه ببعض وأخذ بعضه برقاب بعض بمنزلة الواحد ، ولأنه سبحانه لو قال : هنّ أمّهات الكتاب لذهب ظن السامع إلى أن كل واحدة من الآيات أمّ لجميع الكتاب ، وليس المراد ذلك ، بل المراد ما قدّمنا القول فيه من كون الآيات بأجمعها أمّا للكتاب دون بعضها ؛ لأن المراد بكونها أمّا للكتاب أن بها يعلم ما هو المقصود بالكتاب من بيان معالم الدين ، وذلك لا يرجع إلى كل واحدة من الآيات ، بل يرجع إلى جميعها ، فالأم هاهنا بمعنى : الأصل ، الذي يرجع إليه ويعتمد عليه ؛ لأن المحكم أصل للمتشابه يقدح به فيظهر مكنونه ويستثير دفينه ؛ وعلى ذلك سميت والدة الإنسان أمّا ، لأنها أصله الذي منه طلع وعنه تفرّع ، ولذلك سميت مكّة أمّ القرى ؛ لأن القرى مضافة إليها ، وهي المتقدمة عليها والمذكورة قبلها.
وكان القياس أن يقولوا في جمع أم : أمّات ، ولكنهم قالوا : أمّهات ، لأنه قد جاء في الشعر الفصيح أمّهة ، فصحّ الجمع على أمهات ؛ قال قصيّ بن كلّاب :
أمّهتي خندف والياس أبي
وقال بعضهم : يقال : أمّهات في جمع ما يعقل ، وأمّات في جمع ما لا يعقل ، وأمّا وصفهم فاتحة الكتاب بأنها أمّ الكتاب فهو راجع أيضا إلى المعنى الذي ذكرناه ؛ لأنهم إنما وصفوها بذلك من حيث كانت أصلا يبنى عليها غيرها من القرآن في صلاة المصلي ، وعند تلاوة التالي إذا بدأ بقراءة الكتاب ، فقد صارت إذن متقدمة وبواقي السور لاحقة بها وموجفة خلفها ، وكذلك الآيات المحكمات هنّ أصول للمتشابهات تردّ إليها وتعطف عليها ، فقد بان : أنّ المعنى واحد ، والمراد متفق في وصفهم الآيات المحكمات بأنها أمّ ، وفاتحة الكتاب بأنها أمّ. وقال الأخفش : " إنما قال تعالى : (أُمُّ الْكِتابِ) ، ولم يقل : أمّهات الكتاب ، كما قال الرجل : ما ـ