درجات الصحابة
لم يكن الصحابة طرازا واحدا في الفقه والعلم ، ولا نمطا متساويا في الإدراك والفهم ، وإنّما كانوا في ذلك طبقات متفاوتة ، ودرجات متباينة ، شأن الناس جميعا في هذه الحياة على مرّ الدّهور :
(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً.)
قال ابن خلدون في مقدمته :
«إنّ الصحابة كلّهم لم يكونوا أهل فتيا ، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم ، وإنّما كان مختصا بالحاملين للقرآن ، العارفين بناسخه ، ومنسوخه ، ومتشابهه ومحكمه ، وسائر دلالته ، بما تلقوه من النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو ممّن سمعه منهم ، وعن عليتهم ، وكانوا يسمّون لذلك (القراء) ، أي الذين يقرأون الكتاب لأن العرب كانوا أمة أميّة ، فاختصّ من كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ ، وبقي الأمر كذلك صدر الملّة».
وعن محمد بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه (١) قال :
«كان الذين يفتون على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثة نفر من المهاجرين ، وثلاثة نفر من الأنصار ، عمر وعثمان وعلي ، وأبي كعب ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت».
وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي ، دعا رجالا من المهاجرين ، والأنصار ، دعا عمر وعثمان وعليّا ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت.
وكلّ هؤلاء كان يفتى في خلافة أبي بكر ، وإنّما تصير فتوى الناس
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٤ / ١٦٨.